مجموعة سعودي القانونية

عمرو الشوبكى يكتب | الإرهاب السياسى

عمرو-الشوبكى

لا يعنى أن يجمع السياسيون والخبراء على أن الحرب على الإرهاب ليست فقط حربا أمنية أننا حللنا المشكلة، أو «جبنا التايهة» بأن نقول ما هو بديهى فى كل تجارب الدول التى حاربت الإرهاب، فالمؤكد أن أسباب الإرهاب مركبة، وأن من يقول إنه نتاج فقط أوضاع سياسية ظالمة أو مشكلات تهميش اقتصادى واجتماعى كمن يقول إن مواجهة الإرهاب يجب أن تكون فقط بالأمن والحلول العسكرية.

فالمؤكد أن هناك بيئة سياسية واجتماعية تساعد على انتشار الإرهاب أو تراجعه، ولكن يبقى هناك الإرهاب العقائدى المرتبط بنص فكرى ودينى منحرف، بصرف النظر عن البيئة السياسية المحيطة، فخذ مثلا بلدا مثل تونس، الجيش فيه لم يتدخل فى العملية السياسية، ولم يعزل رئيسا ولا خفيرا، ويمكن وصفه بـ«الجيش المسالم» والصغير لبلد محدود السكان والمشاكل، ومع ذلك يتعرض لاعتداءات إرهابية من قِبَل العناصر التكفيرية، وسقطت منه أعداد كبيرة من الشهداء.

والسؤال المطروح: هل تدخل الجيش المصرى فى المسار السياسى هو سبب الإرهاب؟ وهل يمكن القول إن الملاحقات الأمنية، وغياب أى وسيط سياسى وحزبى فى التعامل مع قوى المعارضة، ووجود شعور بالتهميش الاجتماعى فى سيناء ساعدت على وجود بيئة حاضنة للإرهاب؟

الإجابة عن هذا السؤال تمثل جانبا من الصورة، فالبيئة السياسية والاجتماعية هى أحد أسباب انتشار الإرهاب أو دخول عناصر جديدة ضاقت أمامها سبل العيش، وانسدت فرص التغيير والإصلاح السياسى، فكان الإرهاب هو طريقها.

والسؤال الثانى الذى يكمل الصورة: وإذا حُلت مشاكل التهميش الاجتماعى والاقتصادى، وبُنيت نظم سياسية ديمقراطية، وابتعد الجيش عن السياسة، فهل سيختفى الإرهاب؟ الإجابة: لا لن يختفى، إنما على الأرجح سيتراجع، وستقل قدرته على التجنيد والتأثير.

والحقيقة أن من يرد أن يختزل الإرهاب الذى تشهده مصر فى غياب الديمقراطية وتدخل الجيش فى السياسة يكن الرد عليه عملياً بما يجرى فى تونس من إرهاب بغيض، رغم أن السياق السياسى هو تقريبا عكس نظيره المصرى، والجيش بعيد كل البعد عن العملية السياسية، كما أن وجود مقاتلين أجانب فى صفوف داعش وغيره من الجماعات الإرهابية التى جاءت من بلاد غربية ديمقراطية، أو من أسر ميسورة فى بلاد إسلامية، يدل أيضا على أن هناك جانبا عقائديا وراء وجود التنظيمات الإرهابية والتكفيرية لا علاقة له بالبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة.

والحقيقة أنه لكى تنجح حربنا على الإرهاب، علينا ألا نكتفى بالجملة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع: بأن المواجهة الأمنية غير كافية لدحر الإرهاب، إنما نفتح باب الأسئلة الصعبة التى لا نريد أن نطرحها ونكتفى بالهتافات اليومية والصراخ الإعلامى ضد الإرهاب والقتلة، وهى: هل السياق السياسى الحالى أدخل عناصر جديدة وشبابية إلى ساحة العنف أو التواطؤ مع الإرهاب؟ وهل القنابل البدائية التى باتت جزءا من المشهد اليومى وراءها شباب محبط أكثر منه إرهابيين محترفين، وهل يمكن تلافى بعضها إذا فتحت قنوات اتصال سياسية وحوار مجتمعى حقيقى مع الشباب المحبط أو الساخط أو الذى تأثر بمظلومية خطاب الإخوان، ولم ير بديلا إلا ممارسة العنف؟ وهل هذا سيؤدى إلى تحجيم عدد العناصر المشاركة أو المتواطئة مع الإرهاب؟ أعتقد ذلك، مادمنا نسينا أن الحرب الحقيقية على الإرهاب ليست فى الإعلام، إنما بامتلاك رؤية متكاملة تشمل الجوانب العقائدية والفكرية من جهة، والجوانب السياسية والاجتماعية من جهة ثانية، والأمنية من جهة ثالثة، ودون هذه الرؤية الثلاثية لن ننتصر على الإرهاب.

 

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *