أمام بنيان دستورى سلطوى ومقترحات قوانين تعصف بالحقوق والحريات (من مقترح قانون التظاهر إلى مشروع قانون الإرهاب) والممارسات الأمنية الغاشمة كانت الأمل الوحيد لتجاوز أزماتنا ووضع الوطن على طريق التقدم والعدل وسيادة القانون والسلم الأهلى والعيش المشترك.
يوما ما، سندرك أن الديمقراطية التى تبدو مهزومة أمام هيستريا جماعية تهلل للقمع وترحب بتقييد الحريات وترفض التحقيق فى الانتهاكات مدفوعة بمقولات فاشية وإقصائية تتلبس زيفا الوطنية كانت الأمل الوحيد فى ضبط لبوصلة الدولة والمجتمع يتناغم مع النزعة الإنسانية وروح العصر الحرة والوطنية المصرية الحقة الراغبة فى دولة العدل العصرية ومجتمع المساواة والتسامح.
يوما ما، سندرك أن الديمقراطية التى تمتهن الأصوات المدافعة عنها والرافضة لهيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى على الدولة والمجتمع وتلصق بها اتهامات العمالة والخيانة لمقاومتها للانسحاق تأييدا أو نفاقا أو صمتا كانت الأمل الوحيد فى تصدر نخب جديدة وطموحة للمشهد السياسى والمجتمعى والإعلامى وتراجع جموع مبررى القمع والمساومين على المبادئ والمتورطين فى تشويه الوعى العام والباحثين عن المصالح الشخصية ومصالح المجموعات الصغيرة ومحدودى الكفاءة الذين يسيطرون على المؤسسات والأجهزة التنفيذية والإدارية.
يوما ما، سندرك أن الديمقراطية التى تعثرت مسارات التحول باتجاهها منذ ١١ فبراير ٢٠١١ وخانت النخب السياسية والاقتصادية والمالية جماعيا قيمها وإجراءاتها وتخلت عن المطالبة بها قطاعات شعبية واسعة أرهقها تدهور الأوضاع المعيشية وكذلك غياب الإنجاز وتراكم الفساد كانت الأمل الوحيد لو صبرنا وتماسكنا قليلا فى التوافق حول سياسات للعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد المستشرى وضمانات تحول بين النخب المسيطرة وبين التلاعب بالصالح العام وتغلب على عثرات بناء مؤسسات منتخبة قوية وقادرة تواجه معضلة هيمنة المعين على المنتخب وممانعة المؤسسات العسكرية والأمنية لرقابة المدنيين المنتخبين.
يوما ما، سندرك أن الديمقراطية التى جاء المخاض المطالب بها بالمصريات إلى واجهة العمل العام وتجاوز معها الأقباط أسوار الكنائس إلى انخراط فى السياسة وتبلورت بها بدايات الوعى المجتمعى بحقوق الفئات المهمشة والمستضعفة كانت الأمل الوحيد فى اعتماد دستور وقوانين تقر المساواة الكاملة وتفعل أنظمة وإجراءات التمييز الإيجابى لصالح المرأة وتجرم الطائفية وتحمى حقوق الفقراء ومحدودى الدخل وذوى الاحتياجات الخاصة ولا تتحايل على كل هذا بصياغات فضفاضة وغير قاطعة ومتخادلة.
يوما ما، سندرك أن الديمقراطية التى واجهت مرتكزاتها الفلسفية المتمثلة فى الاعتراف بالتعددية وقبول الآخر والعيش المشترك ورفض ادعاءات احتكار الحقيقة المطلقة وممارسة النقد الذاتى تحديات مستمرة بفعل مروجى الأفكار الفاشية ذات الرداء الدينى أو العسكرى أو الأمنى وبفعل عجز مختلف أطراف الحياة السياسية عن الاعتراف بخطايا الماضى والحاضر والإفادة منها كانت الأمل الوحيد فى تطوير تدريجى لثقافة عامة للنقد الذاتى والتصالح مع الماضى والحاضر عبر منظومة للعدالة الانتقالية ووضع شروط قانونية وسياسية قاطعة للمشاركة فى الحياة العامة دون عنف ودون هدم أو مناهضة للتعددية وقبول الآخر والعيش المشترك.
يوما ما!