عمرو حمزاوى يكتب | أن تنتابنا مجددًا الرغبة فى التقدم والعقلانية!
قديما قال الفلاسفة إن لحظات / فترات التراجع أو الأزمات أو الإخفاقات أو الانهيارات التى تتعرض لها المجتمعات البشرية ترتب اختفاء القدرة الجماعية على صناعة الأمل فى حاضر وغد أفضل وتدفع بمشاعر الإحباط واليأس والعدمية (الحاضر مظلم والمستقبل أيضا والأمر سواء) والمظلومية إلى الواجهة ـ الفيلسوف الليبرالى الإيطالى نوربوتو بوبيو (١٩٠٩ ــ ٢٠٠٤) والفيلسوف الماركسى الألمانى ارنست بلوخ (١٨٨٥ ـ ١٩٧٧).
قديما قال الفلاسفة أيضا إن مسئولية النخب العلمية والفكرية والفنية والمجتمعية هى العمل المستمر على الخروج بمجتمعاتها من مشاعر الإحباط واليأس والعدمية والمظلومية بتوظيف طاقاتهم الإبداعية وبالتبشير بإمكانية الوصول إلى حاضر وغد أفضل حيث قيم المعرفة والعلم والتقدم والحرية والمساواة هى عماد حياة البشر وحركة التاريخ ــ الفيلسوف الألمانى جورج فيلهلم فريدرش هيجل (١٧٧٠ــ١٨٣١).
فلاسفة آخرون ذهبوا إلى أن النخب العلمية والفكرية والفنية والمجتمعية، وبكل التأكيد النخب السياسية والاقتصادية والمالية ذات المصالح الضيقة، لا تقوى على الخروج بمجتمعاتها من لحظات/ فترات التراجع والأزمات والإخفاقات والانهيارات أو مقاومة مشاعر الإحباط واليأس وأن تاريخ المجتمعات البشرية يدحض مقولات «نخب الإنقاذ» كما يدحض رؤى البطل المخلص/ البطل المنقذ. هؤلاء، من بعض فلاسفة اليونان القدامى إلى الألمانى يورجن هابرماس (١٩٢٩ــ إلى اليوم) والأمريكى ريتشارد رورتى (١٩٣١ــ٢٠٠٧)، يرون سبيل الخروج إما فى رغبة التقدم والعقلانية الجماعية التى «تنتاب» بعض المجتمعات البشرية أو فى نجاحها فى بناء مؤسسات قوية عمادها حكم القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على استقرارها وتماسكها.
فى مصر اليوم، بمخاضها المجتمعى منذ ٢٠١١ وتقلباتها السياسية بعد ٢٠١٣ وفى محيطها الإقليمى الذى يعمق من تراجعات وأزمات وإخفاقات الداخل ويفرض عليها الكثير من التحديات المرتبطة بغياب الاستقرار والأمن وتفكك الدول الوطنية شرقا وغربا، لا نملك ترف الاستسلام لاختفاء صناعة الأمل أو لسيطرة مشاعر الإحباط واليأس والعدمية والمظلومية على المجال العام. فى مصر اليوم، لا يمكننا أن نعول على نخب للإنقاذ ــ والنخب هذه مستتبعة إما من منظومة الحكم / السلطة أو من المصالح الاقتصادية والمالية الكبرى ومعاييرها المزدوجة تودى بمصداقية قيم المعرفة والعلم والتقدم والعدل والحرية. فى مصر اليوم، لا يمكننا أن نعول على البطل المنقذ، لأن نمط الإدارة الانفرادية المرتبط به ليس له إلا أن يعمق من كارثة استبداد منظومة الحكم/ السلطة. فرصتنا الحقيقية هى إما فى أن تنتاب الشعب المصرى مجددا (كما فى يناير ٢٠١١) الرغبة الجماعية فى التقدم والعقلانية أو أن ننجح على الرغم من كل الصعوبات الراهنة فى بناء مؤسسات قوية تستند إلى حكم القانون والديمقراطية وتقاوم طغيان المكون العسكرى ـ الأمنى على كل ما عداه فى المجتمع بمجالاته العامة والخاصة.