هى فرصة مناسبة لالتقاط الأنفاس، بعد أن حسم المواطن أمره إما مشاركا بالتصويت للمرشح عبدالفتاح السيسى أو بالتصويت للمرشح حمدين صباحى أو مقاطعا عازفا عن مشهد الانتخابات الرئاسية. هى فرصة مناسبة للابتعاد عن الاستعلاء على أصحاب الرأى الآخر، وللحوار الهادئ بيننا جميعا على نحو يخرج ضمائرنا وعقولنا (ولو جزئيا) من أسر أبواق الدولة الأمنية والمخونين زيفا للمعارضين والمدعين المتهافتين لحق احتكار الحديث باسم المصلحة الوطنية. هى فرصة مناسبة للتذكير ببعض المرتكزات الأساسية لوجودنا كمواطنات ومواطنين ننتمى لدولة ومجتمع نريد لهما العدل والسلم والتقدم والرخاء، ونريد لهما أيضا الإسهام الإيجابى فى محيطنا العربى والإقليمى وفى الحضارة الإنسانية.
•••
١ــ يجافى الصواب من يظن أن الأصوات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات فى مصر تتجاهل حتمية تماسك الدولة الوطنية ومؤسساتها ومقتضيات السلم الأهلى. إلا أن تماسك الدولة الوطنية، وكما يدلل تاريخنا البعيد والقريب وتدلل خبرات البلدان المشابهة لنا، لن يتحقق إلا بسيادة القانون وتداول السلطة ومشاركة جميع أطياف المجتمع بسلمية فى إدارة الشأن العام والسياسى عبر آليات ديمقراطية دورية وعبر ضمان الحقوق والحريات دون تمييز. ويتعارض كل من تماسك الدولة الوطنية والسلم الأهلى مع حكم الفرد وممارسات الدولة الأمنية واضطلاع مؤسسات الدولة بغير أدوارها الاعتيادية والعصف بسيادة القانون وانتهاكات الحقوق والحريات والفساد، كما يتعارض مع النزوع المدان والمرفوض لبعض الجماعات/المجموعات/الأفراد لممارسة الإرهاب والعنف وحمل السلاح ضد الدولة والمجتمع.
٢ــ يجافى الصواب من يظن أن الأصوات المدافعة عن الديمقراطية والحقوق والحريات لا تكترث كثيرا بسقوط ضحايا من الشرطة والقوات المسلحة المصرية ومن المدنيين من جراء الأعمال الإرهابية وأعمال العنف المتتالية. بل على النقيض من ذلك تماما، فالدم كله حرام وإدانة الإرهاب والعنف والمطالبة بالقضاء عليهما وبملاحقة ومحاسبة المسئولين عنهما تمثل مجتمعة ضرورة وطنية لا جدال بشأنها. إنما لكى تنجح مصر المواطن/المجتمع/الدولة فى القضاء على الإرهاب والعنف لا بديل عن مواجهة أمنية تلتزم بالقانون وبضمانات الحقوق والحريات، ولا بديل عن إيقاف الانتهاكات التى تنشر جغرافيا الظلم بين الربوع المصرية (الاعتقال/ الاحتجاز/ الحبس/ السجن/التعذيب) وتطبيق منظومة للعدالة الانتقالية تصارح/ تكاشف/ تحاسب عن ماضى الانتهاكات، ولا بديل عن المزج بين المواجهة الأمنية وبين تجاوز الصراع/الاستقطاب الأهلى بتمكين جميع الأطياف بالمشاركة الديمقراطية فى إدارة الشأن العام شريطة عدم التورط فى الإرهاب أو العنف والالتزام بالسلمية والامتناع عن مناهضة قيم الحق والعدل والحرية والمساواة والمواطنة.
٣ ــ يجافى الصواب من يظن أن الأصوات المدافعة عن الديمقراطية والحقوق والحريات تمارس الاستعلاء على الإرادة الشعبية أو على تفضيلات المواطنات والمواطنين إن بصدد المشهد الانتخابى المقبل أو بصدد عموم الأوضاع المصرية. فلا تحمل الإشارة المتكررة لخطورة القبول الشعبى لمقايضة الاستقرار والخبز والأمن بالحقوق والحريات مضمونا استعلائيا، ولا يشكل التحذير المستمر من مغبة الانسياق الجماعى وراء مقولات فاشية وإقصائية اتهاما مبطنا للمصريات وللمصريين بتفضيل الديكتاتورية/الشمولية/السلطوية/الدولة الأمنية على الحقوق والحريات ولا باستساغة العنف الرسمى. بل الحقيقة هى أن بالإشارة والتحذير إدراك لما للترويج الإعلامى المستمر للمقايضة السلطوية وللمقولات الفاشية من أثر فى تزييف وعى الناس، وثقة فى رشادة وعقلانية الكثير من المصريات والمصريين وقدرتهم على تجاوز تزييف الوعى، وقناعة أن دور الأصوات المدافعة عن الديمقراطية هو الاقتراب اليومى منهم لإعادة القبول لأجندة الحقوق والحريات وللمزج بين جوانبها الشخصية والمدنية والسياسية وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والهموم المعيشية.
•••
٤ــ يجافى الصواب من يظن أن الأصوات المدافعة عن الديمقراطية والحقوق والحريات هى «طليعة» مجموعات وحركات «انتهازية» و»مشبوهة» لا تبحث إلا عن «التمويل الخارجى» وعن مساومة الحكم/السلطة بغية الحصول على عوائد ومنافع شخصية. فمنظمات حقوق الإنسان والحريات وقضايا المرأة وحقوق المهمشين والعمال والفقراء تعانى الأمرين فى مصر فى ظل بيئة قانونية وسياسية ومجتمعية مقيدة، وتجاهد للانتصار للحد الأدنى من أجنداتها وهى ترصد الانتهاكات المتكررة وتوثقها وتحاول إنهاءها، وتسعى لاكتساب ثقة الناس فى عملها وهى تتعرض لحملات تخوين وتشويه وتشهير متتالية. الأصوات والمجموعات والحركات والمنظمات هذه هى كيانات وطنية مصرية تريد دولة العدل والقانون والحق والحرية ومجتمع السلم الأهلى وتكافؤ الفرص، وهذا هو جوهر رؤيتها لتحقيق تماسك الدولة الوطنية والمجتمع.
٥ ــ يجافى الصواب من يظن أن الأصوات المدافعة عن الديمقراطية والحقوق والحريات قد تدفعها حملات التخوين والتشويه والتشهير أو سطوة ممارسات الدولة الأمنية أو الانزلاق إلى حكم الفرد وتراجع سيادة القانون وتراكم الفساد إلى التخلى عن مطالبها أو إلى إدارة ظهرها للمواطن فى مصر والصمت عن حقوقه وحرياته المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الضائعة. بل المؤكد هو أن التحديات المستمرة التى تواجه هذه الأصوات ستدفعها إلى تطوير أدوات عملها السلمى والبحث عن مساحات جديدة للاقتراب من المواطن والدفاع عنه وممارسة المزيد من النقد الذاتى.
•••
أرجو صادقا أن تصل هذه المرتكزات الأساسية والنقاط التوضيحية إلى المصريات والمصريين الدين باتوا يتشككون فى نوايا/دوافع الأصوات المدافعة عن الديمقراطية والحقوق والحريات، وقد يظنون زيفا أنها لا تريد مصلحة مصر المواطن/المجتمع/الدولة.