عمرو حمزاوى يكتب | الإضراب عن الطعام
هو وسيلة المعتقل /السجين/ المحبوس احتياطيا الأخيرة للمطالبة باستعادة الحرية، أو رفع الظلم، أو التمكين من إجراءات تقاضى عادلة ونزيهة، أو الحد من القيود التعسفية المفروضة عليه، أو الحصول على المعاملة اللائقة بكرامة الإنسان والدعم الأسرى والمساعدة القانونية- وهم له حق.
الإضراب عن الطعام هو وسيلة المعتقل /السجين/ المحبوس احتياطيا الأخيرة لإخبار الرأى العام بحالته، وحشد شىء من التأييد العلنى لمطالبه العادلة، وربما بهدف العمل على تفكيك بعض انطباعات الناس السلبية عنه وعن رفاقه بعد أن طالتهم حملات الاغتيال المعنوى والتخوين والتشويه لكونهم معارضين لمنظومة الحكم/ السلطة.
الإضراب عن الطعام هو وسيلة المعتقل/ السجين/ المحبوس احتياطيا الأخيرة لممارسة الاختيار الحر فى المساحة الوحيدة الممكنه له، إدارة علاقته مع جسده وروحه. فغياب الحرية وكثرة القيود المفروضة فى أماكن الاعتقال والسجن والاحتجاز يختزلان مساحات الاختيار الحر فى الجسد والروح على عدم إطلاقية سيطرة الإنسان الفرد عليهما، ويحدان كثيرا من خوف البشر التقليدى من التضحية الإرادية بسلامة الجسد أو من تعريض الذات للأذى الجسدى وللمعاناة الصحية أو من الحرمان من الاحتياجات «المادية» الضرورية لمواصلة الحياة والبقاء على قيدها.
يتناقض الاستعلاء على المضربين عن الطعام بالتشكيك فى «أهدافهم الحقيقية» أو بالتسفيه والتندر أو بممارسة فولكلور التشفى أو التورط فى الترويج لمقولات الانتقام والعقاب الجماعى مع القيم الأخلاقية والإنسانية والفهم العقلى الرشيد الذى هو للبشر دون غيرهم من الكائنات، تماما كما يتعارض معهم إعمال المعايير المزدوجة المرتبطة بالمواقف السياسية فى تحديد ثنائية «من يستحقون التعاطف- من لا تعاطف معهم» وتصنيف المضربين عن الطعام إلى نوع حميد وآخر خبيث.
وحين تحضر بين اعتقال أو سجن أو حبس المضربين عن الطعام وبين رفض الظلم ومعارضة الخروج على الديمقراطية ومقاومة انتهاكات الحقوق والحريات والمطالبة بمحاسبة المسئولين عنها علاقة ارتباط عضوية، تصبح ممارسة الاستعلاء إزاءهم بمثابة تورط مباشر أو مشاركة مباشرة فى تكريس الظلم والقمع والانتهاكات. تماما كما يصبح الصمت عن الاستعلاء صنو تورط غير مباشر لا يصمد أبدا أمام حسابات الضمير الذاتية، ولا ينجو فى حالة أصحاب الفكر والرأى وأرباب العمل العام من مقصلة التدوين السلبى فى حوليات التاريخ.
أستصرخكم، وبعض المعلومين للرأى العام ممن يعانون من فقدان الحرية يدخلون فى إضراب عن الطعام وكثير من الآخرين غير المعلومين يواصلونه، أن تحاولوا التضامن معهم دفاعا عن الحقوق والحريات أو أن تتعاطفوا معهم احتراما للكرامة الإنسانية وتقديرا لقسوة ممارستهم للاختيار الحر فى المساحة الوحيدة المتاحة لهم (الجسد والروح). أستصرخكم، إن لم تقدروا على التضامن أو التعاطف أن تمتنعوا عن استساغة ممارسة الاستعلاء إزاءهم فى مجال عام أفقده الرأى الواحد والصوت الواحد العقلانية والرشد والإنسانية وأن ترفضوا التورط المباشر أو غير المباشر فى تكريس الظلم والقمع.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.