عمرو حمزاوى يكتب | الوهن حين يتجاوز حدود منظومة الحكم – السلطة
١ ــ منتصف يوليو ٢٠١٤ ــ يوجه أكاديمى عربى يعمل فى الولايات المتحدة الأمريكية رسالة إلكترونية إلى مجموعة من الأكاديميين العرب يدعوهم بها إلى الخروج ببيان جماعى للتضامن مع الشعب الفلسطينى إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة ولإدانة جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها آلة قتل مدججة بالسلاح ضد الأطفال والنساء والرجال فى فلسطين وللمطالبة بمحاكمة مجرمى الحرب الإسرائيليين ــ كنت بين الأكاديميين الذين وجهت إليهم الرسالة.
٢ ــ لمدة أسبوعين بعد منتصف يوليو ٢٠١٤ ــ تتفاعل أغلبية الأكاديميين الموجهة إليهم الرسالة مع إصدار البيان على نحو إيجابى، تتوالى الأفكار والاقتراحات ـ تارة للتركيز على مطالبة الأمم المتحدة والجماعة الدولية بالتدخل لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، تارة ثانية للضغط على السلطة الفلسطينية للتصديق على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية بهدف ملاحقة مجرمى الحرب الإسرائيليين، تارة ثالثة لإدانة الحرب والحصار الظالم على غزة وإلزام إسرائيل برفع الحصار ودعوة مصر إلى فتح معبر رفح، تارة رابعة لدفع السلطة الفلسطينية إلى إنهاء «التعاون» مع إسرائيل ووقف مسارات التفاوض والتنادى مع جميع الفصائل الفلسطينية إلى انتفاضة سلمية ثالثة، وغير ذلك الكثير والكثير من الأفكار والاقتراحات. لم يتطوع أحد بعد لصياغة البيان.
٣ ــ الأيام الأخيرة فى شهر يوليو ٢٠١٤ ــ أتطوع مع أكاديمى فلسطينى يعمل فى الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بالصياغة الأولية، وننهيها على نحو يمزج بين الأفكار والاقتراحات التى سجلت ويضيف إليها قناعات وانحيازات الكاتبين ــ على تباينها. نرسل الصياغة الأولية إلى بقية المجموعة فى ١ أغسطس ٢٠١٤، ونطلب التعليق / التعديل / الإضافة / الحذف فى غضون يومين لكى نتمكن من إصدار البيان ــ خصوصا مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وجرائم الإبادة المتصاعدة والصمت العالمى والعربى رسميا وشعبيا.
٤ ــ منذ ١ أغسطس ٢٠١٤ وإلى اليوم ــ خلافات لا تنتهى بشأن صياغة البيان. يبدو أن كل صاحب تعليق / تعديل / إضافة / حذف يعتقد أنه يحتكر الحقيقة كاملة، وتطفو على السطح تباينات المواقف السياسية وحسابات الدول العربية التى يحمل الأكاديميون جنسياتها أو ينتمون إليها والشقاق الفلسطينى ــ الفلسطينى. تفكك الصياغة الأولية للبيان تماما، ولا يلتزم إلا عدد محدود للغاية بتقديم صياغات بديلة أو بالتعديل المباشر على فقرات البيان، ويفقد الاهتمام بعض الأكاديميين الذين كانوا قد تفاعلوا بكثافة مع نقاشات البداية بكثافة. لا يرى البيان النور، بينما تتواصل الحرب الإسرائيلية على غزة وتتعمق حالة الصمت العالمى والعربى، ويتحول الأكاديميون الذين سعوا إلى إصدار البيان إلى مشاركين ومسئولين أيضا عن الصمت والتجاهل ــ ذلك باستثناء تسجيلهم الفردى لمواقفهم وتضامنهم مع الشعب الفلسطينى.
أتذكر فيلم «الحدود» للفنان السورى دريد لحام، يراجع عقلى التاريخ الطويل للشقاق / للعجز / للوهن العربى على المستويات الحكومية وغير الحكومية، أتثبت من أن وضعية الوهن تتجاوز منظومات الحكم / السلطة المستبدة وتضرب بعنف الكثير من مكونات المجتمعات المدنية / الأهلية العربية وتقضى على فاعلية المواطن، يتجدد شعورى باليأس من المواقف العاجزة للنخب الفكرية والثقافية والأكاديمية فى عالمنا العربى وتخاذلها المتكرر عن مقاومة الاستبداد والدفاع عن الديمقراطية والانتصار للحقوق العربية، ثم تسيطر مشاعر الاغتراب عن واقع هذه هى نخبه ناهيك عن نخب الحكم والاقتصاد والمال والإعلام التى لا هم لها إلا الحفاظ على المواقع والمناصب وقمع التعددية.
ليس وهننا بمقصور على منظومات الحكم / السلطة، بل هو يضرب مجتمعاتنا المدنية / الأهلية وقطاعات النخب التى يفترض فيها التجرد النسبى من حسابات المصالح والمواقف والدفاع عن قيم العدل والحق والحرية والجمال.