عمرو حمزاوى يكتب | بين إصلاح أجهزة الدولة والمسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص
من البرازيل إلى ماليزيا، تثبت الخبرات المعاصرة الناجحة للمزج بين التحول الديمقراطى ومقتضيات التنمية المستدامة وتحسين الأوضاع المعيشية للناس أن إنجاز مهمتى إصلاح أجهزة الدولة وتشجيع القطاع الخاص على الاضطلاع بمسئوليته الاجتماعية يأتى فى صدارة الأولويات، شأنه شأن إنهاء انتهاكات حقوق الإنسان والحريات ومحاسبة المتورطين بها عبر منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية.
ترتبط مضامين إصلاح أجهزة الدولة بالشفافية والكفاءة وتكافؤ الفرص والتشاركية ومكافحة الفساد والمحاسبة. فتوضع طائفة من القوانين واللوائح والإجراءات التى تلزم الأجهزة التنفيذية والإدارية والخدمية بالشفافية لجهة نظامها وأعمالها الداخلية ومواردها المالية والبشرية وكذلك لجهة دورها العام وعلاقتها بالمواطن. وتلزمها أيضا على ذات المستويين بالكفاءة وتكافؤ الفرص، ومن ثم «يتطهر» شغل المناصب العامة داخل أجهزة الدولة من آفات المحسوبية وتبتعد تدريجيا فى علاقتها بالمواطن عن التورط فى المحاباة إن بسبب النوع أو على أسس سياسية/ اقتصادية/ دينية/ عرقية وبصورة تفسد حياديتها الضرورية.
كما توضع طائفة أخرى من القوانين واللوائح والإجراءات التى تدفع أجهزة الدولة إلى اتباع قاعدة التشاركية فى عملية صناعة القرار بحيث تتراجع الفجوة الواسعة داخل الأجهزة هذه بين شرائح الإدارة العليا (الوزراء، وكلاء الوزراء، المديرون، وغيرهم) وبين الشرائح الوسيطة والدنيا (الموظفون، التنفيذيون، الفنيون، وغيرهم)، وبحيث ينظر إلى تفضيلات واختيارات المواطن كأحد المدخلات الأساسية لصناعة القرار. وينطبق ذات الأمر على اعتماد قاعدة مكافحة الفساد (إن الفساد الصغير المرتبط بالأفراد أو الفساد الكبير الذى يستشرى على امتداد الهياكل المؤسسية للأجهزة) وقاعدة المحاسبة القانونية المنضبطة للمتورطين بالفساد على نحو يهدف إلى التخلص من المفسدين ويصنع تدريجيا بيئة تنفيذية وإدارية وخدمية نظيفة.
أما مضامين المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص فتتعلق بالشفافية ومكافحة الفساد والتشاركية وتجاوز الربحية كسبب الوجود والاستمرارية الوحيد للقطاع الخاص. يختزل البعض فى مصر المسئولية الاجتماعية لأصحاب المال والأعمال فى المشروعات الخيرية والمنح الدراسية والعلاجية أو فى جمع التبرعات للموازنة العامة حين تتأزم الأوضاع. ومع تقدير مثل هذه المجهودات حين تتنزه عن الهوى السياسى وعن دوافع حماية المصالح التى تقتضى رضاء السلطة وبعض قطاعات الرأى العام، إلا أن الأكثر شمولية وموضوعية هو تقرير مسئولية القطاع الخاص بشأن الالتزام بشفافية النظم والأعمال الداخلية والموارد المالية والبشرية وترشيد توظيفها على نحو يضمن بجانب الربحية مكافحة الفساد والصالح العام للدولة وللمجتمع. فلا يتورط القطاع الخاص، مثلا، فى استساغة الحصول بثمن بخس على الطاقة أو أراضى البناء أو الأيدى العاملة ولا فى تغيير الهياكل الوظيفية بداخله «بتسريح» العمالة كاستجابة وحيدة ممكنة للأزمات الاقتصادية أو الضغوط المالية حين لا تسمح الأوضاع المجتمعية بذلك.
الأكثر شمولية وموضوعية أيضا هو تقرير مسئولية القطاع الخاص عن تقديم نماذج ناجحة للإدارة التشاركية لشئونه على نحو يتجاوز ثنائية رأسمال والإدارة المسيطرة والعمال والموظفين المغلوبين على أمرهم، وهى الثنائية التى مازالت تهيمن على القطاع الخاص بين ظهرانينا. وإذا كان يصعب توقع انفتاح رءووس الأموال والمصالح الكبرى فى مصر بسهولة على مثل هذه المضامين، لطول اعتيادها على غياب الشفافية وضعف التشاركية ولكارثة ذيوع الفساد وروابط المصالح بينه وبين الفساد الكبير (الفساد المؤسسى) فى أجهزة الدولة، تظل إمكانية انفتاح القطاع الخاص الصغير والمتوسط عليها قائمة وذات فائدة.