مصرية: لى اليوم وقفة معك ومع الأصوات الأخرى التى تدافع عن حقوق الإنسان والحريات. أنتم لستم بأوصياء على الشعب، توقفوا عن الحديث باسمه، أنتم لا تعرفون إن كنا نريد الديمقراطية أم لا نكترث إلا بالأمن والاستقرار وتحسن الظروف المعيشية، لا تعرفون لأنكم تظنون أن الشعب يركض جماعيا وراء الصوت الواحد والرأى الواحد ويمنح المصداقية للأبواق الإعلامية التى تبرر انتهاكات الحقوق والحريات، لا تعرفون لأنكم تظنون أن الشعب قبل راضيا إعادة إنتاج القمع والخوف ويبحث فقط عن التعايش معهما، لا تعرفون لأنكم تظنون أن الشعب يعجز عن رفض الإرهاب والعنف وأيضا عن رفض توظيفهما لتمرير الاستبداد وتبرير الانتهاكات، لا تعرفون لأنكم تظنون أن تغيرات السنوات الماضية التى طالت علاقة المواطن بالحكم / السلطة يسهل تجاوز تداعياتها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
الكاتب: مهلا، فأنا لم أكتب يوما أن الشعب غير قادر على رفض القمع والخوف والاستبداد، ولم أدع يوما بوصاية أصوات الديمقراطية عليه، ونبهت كثيرا وفى حوارات سابقة معك إلى ضرورة المزج بين الدفاع عن الحقوق والحريات وبين الاقتراب اليومى من المواطن ومن همومه المعيشية.
مصرية: إلا أنك كتبت كثيرا أيضا عن تزييف الوعى، عن طيور ظلام المرحلة وعن نشرهم لخطاب الكراهية والعقاب الجماعى واستجابة الناس لهم، عن تخوين وتشويه المعارضين ومنح الناس مصداقية لممارسى التخوين والتشويه كتابة وقولا، عن الشعب الذى تحول إلى ضحية للهيستيريا الإعلامية ولفاشية الصوت الواحد.
الكاتب: وكنت هنا أحلل ما يدور من حولنا ويشغل اليوم المساحة الأوسع فى الإعلام، وكنت هنا أحلل النتائج المباشرة لموت السياسة فى مصر وهى التى كان يمكن لها ولنقاشاتها العقلانية والمدفوعة بالصالح العام ومبادئ وقيم الحق والعدل والحرية أن تباعد بيننا وبين الهيستيريا الراهنة.
مصرية: نعم، ولكن من قال لك إن الأغلبية استسلمت لتزييف الوعى أو لخطابات الكراهية أو للتخوين وللتشويه؟ من قال لك إن الأغلبية تتابع الهيستيريا الإعلامية وتتأثر بها؟ من قال لك إن الأغلبية ليست عازفة عن السياسة التى ماتت ولم تعد تتفاعل لا مع أحداثها أو مشاهدها؟ من قال لك إن الأغلبية تقبل مجددا بحاجز الخوف من الحكم / السلطة الذى أسقطه الثورة فى ٢٠١١؟ من قال لك إن الأغلبية فقدت إنسانيتها لتقبل الظلم والانتهاكات أو فقدت مروءتها لتقبل العقاب الجماعى والتنكيل بالمعارضين؟ من قال لك إن الأغلبية ضاع منها النسق القيمى الذى حملته دوما وحافظت عليه لتشكل وعيا حضاريا متسامحا ومنفتحا وقابلا للاختلاف ومدافعا عن الحق والعدل والحرية؟ من قال لك إن الأغلبية بهذا السوء الذى يخرج علينا من كتاباتك أو بهذه السلبية لكى تكون المفعول به الذى يزيف وعيه؟ من قال لك إن مثل هذه القراءة لا تنضح بالفوقية وبالاستعلاء وبفرض الوصاية على الناس؟
الكاتب: ربما خلطت فى بعض الكتابات بين فعل المؤسسات الرسمية والنخب الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها وسعيها لتزييف وعى الناس لكى يقبلوا القمع والخوف والكراهية وبين الآثار الحقيقية لهذه الممارسات على الناس، ربما افترضت أحيانا أن الأغلبية تحولت إلى مفعول به تحت وطأة الهيستيريا ولم أفكر مليا فى قدرتها على إنقاذ إنسانيتها ومبادئها وقيمها، ربما تجاهلت إدراك أن عزوف الناس عن السياسة التى ماتت وراءه سحب للمصداقية عنها وعن مشاهدها المنقوصة، الانتخابية وغير الانتخابية. ربما عذرى الوحيد هو قسوة الظرف الراهن وأنا أرى تداعيات كارثة الصوت الواحد والرأى الواحد وغياب التوافق وعودة ممارسات الدولة الأمنية على مصر كما أرى تداعيات الإرهاب والعنف، ومحاولتى دفع الناس إلى الاستفاقة والبحث عن بدائل دون وصاية. هذه وقفة هامة معى، أشكرك، وأعد بالتفكير الجاد فى ملاحظاتك.