عمرو حمزاوى يكتب | عن الاختلاف والتناقض دون تسفيه
دعونا، والإشارة هنا إلى الأصوات والمجموعات المتمسكة بأهداف الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الوطنية المستدامة، نعترف بأن مواقفنا من المشهد الانتخابى القادم ستتناقض. فالبعض يبدو أقرب إلى الاصطفاف مع ترشح حمدين صباحى للرئاسة ويعتقد أن فرص المنافسة الانتخابية قائمة وأن الحشد ضرورى لكى لا تنصرف القطاعات الشعبية التى تعاطفت مع ثورة يناير ٢٠١١ عن السياسة وأن يهجروا الشأن العام، والبعض الآخر (وأنا هنا) يرى أن هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى على الدولة وموت السياسة وانتهاكات الحقوق والحريات المتراكمة وفرض الصوت الواحد والرأى الواحد على المجتمع والقوانين القمعية والإجراءات الاستثنائية (بما فى ذلك تحصين اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية) تجرد مجتمعة الانتخابات الرئاسية من المصداقية والتنافسية وتلزم بعدم الانخراط بها.
إلا أن تناقض المواقف بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة لا ينبغى له أن يفتح طاقات التناحر والصراع بين الأصوات والمجموعات الديمقراطية التى توافقت على رفض الخروج عن المسار الديمقراطى فى ٣ يوليو ٢٠١٣ ولم تتعامل مع انتهاكات الحقوق والحريات خلال الأشهر الماضية بمعايير مزدوجة.
فالجميع يواجه بيئة مجتمعية أضحت للأسف طاردة للمبادئ وللقيم الديمقراطية، بيئة طوعت عبر فرض الصوت الواحد والرأى الواحد وعبر إعادة إنتاج ممارسات الدولة الأمنية القديمة لكى تتجاهل الانتهاكات وتقبل المقايضة السلطوية الواهية «إما الخبز والأمن وإما الحرية» وتؤيد «البطل المخلص» الذى يختزل فيه الوطن، بيئة ضاغطة بشدة على مجالات حركة الأصوات والمجموعات الديمقراطية ومقيدة بعنف لفرص فعلها عبر قوانين قمعية كقانون تهجير المواطن من المساحة العامة المعروف باسم قانون التظاهر وعبر ممارسات السجن والحبس والاعتقال وغيرها من الإجراءات الاستثنائية.
دعونا لا نستهلك القدرات المحدودة والإمكانيات المتراجعة فى حروب كلامية وفى تسفيه اختيارات بعضنا البعض. دعونا نقبل بعقلانية وبامتناع عن ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة الاختلاف فى الرأى والتناقض فى المواقف ونقدم بذلك للرأى العام المصرى نموذجا لاحترام حرية الاختيار والتعددية وإدارتها السلمية. دعونا نؤكد أن هدفنا هو مصلحة الوطن المتمثلة فى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة وحماية حقوق الإنسان والحريات ومقاومة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وأن تحقيق هذا الهدف مشروط بعملنا الجماعى والدفاع عن ضحايا الانتهاكات وابتعادنا عن الصراعات البينية والتفكير المنظم فى تحديات وقضايا ما بعد الانتخابات الرئاسية وعدم الاستسلام لحالة اللافعل التى تترجم إلى اكتفاء بالرفض والشجب والإدانة. دعونا، مع تناقض المواقف بشأن الانتخابات الرئاسية، نبحث عن مساحات جديدة وفرص لم تستثمر من قبل للأنشطة التنموية وللاقتراب اليومى من المواطن وهمومه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والمعيشية مع التمسك بأجندة الحقوق والحريات دون معايير مزدوجة.
ليست هذه بلحظة مواتية للتورط فى الاستعلاء ولا ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة، ولن تقبل البيئة المجتمعية الضاغطة لا المزيد من الحروب الكلامية ولا التسفيه المتبادل أو الاكتفاء بلا فعل الشجب والإدانة، ولا بديل عن احترام حرية الاختيار والالتزام بهدف الديمقراطية المشترك ولو فى حده الأدنى المتمثل فى الدفاع عن ضحايا انتهاكات الحقوق والحريات والمطالبة بإنهاء الظلم الواقع عليهم.