توظف نظم الحكم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ احتكار المعلومات ومنع تداولها الحر كأداتين رئيسيتين للسيطرة على الرأى العام عبر إخفاء الحقائق عنه ولقمع المعارضات الديمقراطية والضغط المستمر عليها عبر الحيلولة بينها وبين معلومات موثقة تحتاجها إما لإثبات حدوث انتهاكات للحقوق وللحريات أو لإظهار تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تحتكر المعلومات ويمنع تداولها خارج دوائر الحكم/ السلطة وخارج مؤسسات وأجهزة الدولة، بل يمتد الاحتكار ويمتد المنع أحيانا إلى مؤسسات وأجهزة الدولة البعيدة نسبيا عن الحاكم الفرد أو عن نخبة الحكم أو عن المؤسسات المهيمنة (رئاسة/ مؤسسة عسكرية/ أجهزة أمنية). تحتكر المعلومات ويمنع تداولها، ويستباح حق المواطن/ الرأى العام فى المعلومة الموثقة وفى معرفة الحقيقة، ويحل محله الترويج المنظم لمعلومات مغلوطة/ غير مكتملة أو لأنصاف حقائق أو لأكاذيب لتجميل نظم الحكم وتشويه معارضيها. وأحيانا يحل محل الحق المستباح فى المعلومة والحقيقة صمت رسمى تام عن انتهاكات الحقوق والحريات وعن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكأن الصمت يمكن أن يطول ويقبل إلى ما لا نهاية.
قطعا، لا تعتبر نظم الحكم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ الراهنة من الخبرات الماضية التى دللت على أن جدار الصمت والسيطرة على الرأى العام عبر احتكار المعلومات ومنع تداولها الحر واستباحة حق المواطن فى المعرفة مآلها جميعا على المدى المتوسط والطويل إلى الانهيار واللافاعلية واكتشاف المواطن/ الرأى العام للمعلومات وللحقائق كاملة.
المعضلة هى أنه إلى أن يحدث هذا وتتوقف استباحة حقوقنا كمواطنات ومواطنين، تضطر المعارضات الديمقراطية لنظم الحكم الشمولية والسلطوية وللنظم المسخ إلى الاعتماد على معلومات جزئية وبعض الحقائق التى تحصل عليها بشق الأنفس وهى تخاطب الرأى العام لتوعيته بشأن انتهاكات الحقوق والحريات والأوضاع المتدهورة المحيطة بالدولة والمجتمع والوطن، ويكون هدفها هنا هو التوعية والحد من الانتهاكات ومن التدهور قدر الإمكان.
وهذه هى معضلتنا فى مصر اليوم، الحكم/ السلطة/ مؤسسات الدولة وأجهزتها إما فى صمت ممتد عن الانتهاكات أو فى نفى مستمر لحدوثها، والمعارضة الديمقراطية والأصوات الباحثة عن الحقيقة فى الإعلام والمجتمع المدنى والأوساط الحقوقية فى اجتهاد لتوثيقها والتوعية بها والمطالبة بإيقافها وجبر الضرر، ويظل للاجتهاد هذا ــ كاجتهاد موقع ويكى ثورة ومواقع ومبادرات أخرى محايدة لا هوى سياسى لها ــ حدوده وتتفاوت معدلات دقة المعلومات المتداولة، وإن كان التراكم يرفع تدريجيا معدلات الدقة.
وإذا كانت دوائر الحكم/ السلطة تشكك فى المعلومات المتداولة بشأن الانتهاكات ــ إعداد وهويات المعتقلين/ المحتجزين/ المحبوسين على خلفية سياسية أو للتعبير السلمى عن الرأى/ وغيرها من الانتهاكات المرتبطة بالتعذيب والممارسات المجرمة الأخرى ــ فى مثل هذه المواقع والمبادرات الذاتية وتريد أن تعرض الحقيقة كاملة على الرأى العام، فلتخرج علينا المؤسسات والأجهزة الرسمية كوزارة الداخلية ووزارة العدل أو الجهات التى شكلت بقرارات حكومية كلجنة تقصى حقائق ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والمجلس القومى لحقوق الإنسان بمعلوماتهم الموثقة وحقائقهم الكاملة بشأن الانتهاكات وضحاياها أو لينفوها بالكامل إن كانوا على ذلك من القادرين.