مجموعة سعودي القانونية

عمرو حمزاوى يكتب | عن بعــض عناصر الأزمة المصرية

عمرو حمزاوي

على تباين نظم حكمها وطبائع سلطاتها التنفيذية بين اقتراب من نماذج ديمقراطية وبين ابتعاد عنها، على اختلاف حقائقها الديموجرافية وحظوظها من الثروات الطبيعية وسماتها الاقتصادية والاجتماعية والخرائط الإقليمية المحيطة بها ومستويات نفوذها العالمى، على رسوخ مؤسسات وأجهزة الدولة وتوازن مجتمعاتها المدنية (الدولة القوية ــ المجتمع القوى) فى بعضها وهشاشة الدولة والمجتمع فى بعضها الآخر (الدولة الضعيفة-المجتمع الضعيف) والحالات البينية التى ترسم ملامحها إما دول تختزل مؤسساتها وأجهزتها القوة إلى قمع للمجتمع أو مجتمعات تتغول طوائفها وأعراقها ومصالحها على دول تتأكل سيادتها وتنهار شرعيتها؛ تعمد الكثير من بلدان عالمنا المعاصر حين تتكالب عليها الأزمات إلى صياغة الخطط ووضع الحلول وإعداد الوثائق بأهداف تتفاوت بين إدارة الأزمة وبين التجاوز الكامل لها وبين الاحتواء وبين إطلاق طاقات المواطن والمجتمع والدولة باتجاه التنمية والتقدم. والخطوة الأولى هنا هى تحديد العناصر الأساسية للأزمات إن من قبل مؤسسات وأجهزة الدولة أو تنظيمات المجتمع الوسيطة أو المواطن المهتم، ثم إدارة نقاش عام هادئ ورشيد بشأنها. وهاكم تحديدى الأولى لعناصر الأزمة المصرية والعوامل المؤثرة بها.

• تزايد أعداد شهداء القوات المسلحة والشرطة والشهداء المدنيين الذين يسقطهم الإجرام الإرهابى فى مصر، وارتفاع أعداد المصابين، وتكرر المشاهد المؤلمة للنعوش الملتحفة بالعلم وللأسر المكلومة وللمواكب الجنائزية الشعبية.

• تحولات نوعية متسارعة ترد على فعل تنظيمات الإرهاب والعنف، معها تتسع ساحات مواجهة مؤسسات وأجهزة الدولة لإجرامها من سيناء والحدود الغربية إلى مياه مصر الإقليمية فى البحر الأبيض المتوسط ومعها أيضا تتجه التفجيرات الإرهابية إلى استهداف البنى التحتية التى يعتمد عليها الناس فى إدارة حياتهم اليومية (وسائل الانتقال والمواصلات) ونقاط الكثافة السكانية، كما تواصل استهداف التجمعات العسكرية والأمنية.

• عوامل كالانفجارات الإقليمية المتتالية فى ليبيا واليمن والعراق وسوريا ولبنان وكحالة السيولة المجتمعية والأمنية البالغة، التى تتصف بها بلاد العرب وكتضارب سياسات القوى الدولية وأطراف مؤثرة كإيران وتركيا بين مواجهة لبعض التنظيمات الإرهابية ودعم لبعضها الآخر تعصف بتماسك الدول الوطنية وتهدد السلم الأهلى للمجتمع وتفرض الخوف والقلق على المواطن، وليست مصر ببعيدة عن كل ذلك.

• ذات العوامل تمكن تنظيمات الإرهاب والعنف من تجاوز حدود الدول الوطنية، والاحتفاظ بخطوط لـ«الموارد» البشرية والمالية والتنظيمية تمتد عبر بلاد العرب وتتحدى فيما خص مصر مؤسسات وأجهزة الدولة، التى لم تعتد خلال العقود الماضية (منذ ثمانينيات القرن العشرين) على العمل بكثافة خارج الحدود.

• بيئة داخلية مأزومة تعانى من تراكم ظواهر الفقر والبطالة وانهيار مستويات الخدمات الأساسية والإهمال والفساد والهوة السحيقة التى تفصل بين الأغنياء والقادرين وبين الفقراء ومحدودى الدخل وتدهور معدلات الأداء الاقتصادى والمالى فى القطاعين العام والخاص، وفى الواجهة سلطة تنفيذية تسيطر بمفردها على مؤسسات وأجهزة الدولة ولم تصغ بعد خطة تنموية واضحة الملامح أو تحدد انحيازاتها بشأن ملف العدالة الاجتماعية وإدارة الشأن الاقتصادى والمالى وبالقطع (وباستثناء بعض أصحاب المصالح الخاصة الكبرى) لم تنفتح تفاوضيا على قوى المجتمع وفعالياته أو على تنظيماته الوسيطة كالأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية لإشراكها فى الأمر.

• بيئة داخلية مأزومة تعانى من تراكم للمظالم وانتهاكات للحقوق وللحريات ومن صراعات صفرية تتورط بها السلطة التنفيذية إزاء قطاعات طلابية وشبابية وشعبية مختلفة وإزاء التنظيمات الوسيطة بعد أن هيمنت المعالجات الأمنية وأميتت السياسة ونحيت مسارات التحول الديمقراطى جانبا، وفى الواجهة تقنين تمارسه السلطة للاستثناء وللقمع واستخفاف رسمى بالانتهاكات وخطاب إعلامى عام وخاص يبرر للخروج على سيادة القانون وعلى ضمانات الحقوق والحريات باستدعاء ضرورات مواجهة الإرهاب والعنف.

• بيئة داخلية مأزومة تعانى من اختزال مؤسسات وأجهزة الدولة لمواجهة الإرهاب والعنف فى الأدوات العسكرية والأمنية وتغييب الأدوات القانونية والتنموية والمجتمعية، ومن الفشل فى تطوير حالة تضامن وشراكة حقيقية بين المواطن والمجتمع والدولة مقوماتها اكتساب سكان سيناء ومناطق الحدود الغربية إلى صفوف المقاومة الفعالة للإرهاب عبر الحوار والقضاء على نواقص الحقوق والحريات والخدمات التى يعانون منها وحشد طاقات التنظيمات الوسيطة والجمعيات الأهلية لتخليص مصر من شرور الإرهاب والعنف وتحصين المواطن إزاءها عبر إيقاف الهجمة السلطوية الراهنة على المجتمع المدنى وتمكين المواطن فى المجال العام والجامعة وساحات العمل من مقارعة التطرف بالمعرفة والعلم والتسامح وبحرية التعبير عن الرأى ــ دون خوف من قمع أو تعقب أو قيود أو احتجاز بسبب حديث فى مقهى أو قراءة لرواية تواجه نظم الحكم الديكتاتورية بحقيقتها دون رتوش.

• بيئة داخلية مأزومة تعانى من سطوة الرأى الواحد والصوت الواحد على نقاشات عامة انقطعت بينها وبين قيم التداول الحر للمعلومات وللحقائق وقيم المعرفة والعلم والعقل والفكر الرشيد جميع خطوط التواصل والتماس، ومن توجهات للرأى العام صار بعضها يسهل استثارته ودفعه إلى استساغة المكارثى والفاشى والانتقامى والسطحى من المقولات على نحو يعيد التأسيس الخطير لقدسية فعل السلطة التنفيذية والرأى الواحد والصوت الواحد يروج لهما كتعبير عن تفضيلاتها واختياراتها وينزع أيضا الانتماء الوطنى عن أصحاب الآراء المغايرة والمغردين خارج السرب / القطيع.

•••

هذه بعض العناصر الأساسية لأزمتنا الراهنة فى مصر، يغنى كل من تنوعها وتعقد خطوطها عن صياغة خاتمة تقليدية للأسطر السابقة تحمل بالمطالبة بتجاوز اختزال المعالجات فى الأدوات العسكرية والأمنية والدعوة إلى شراكة بين المواطن والمجتمع والدولة عمادها القانون وضمانات الحقوق والحريات والمسار الديمقراطى والتوحد فى مواجهة الإرهاب والعنف. تنوع وتعقد خطوط عناصر الأزمة المصرية الراهنة يلزمان أيضا بتفعيل التفكير الجماعى والنقدى بين مؤسسات وأجهزة الدولة وبين التنظيمات الوسيطة فى الساحة الحزبية وفى المجتمع المدنى بهدف وضع استراتيجية متكاملة للاحتواء وللحل، ولنا فى مفاوضات وتوافقات الحكم/المعارضة والدولة/المجتمع المدنى وفى الحوارات مع قطاعات شعبية مختلفة التى أخرجت خلال السنوات الماضية بلدان كالبرازيل وبولندا وماليزيا وإندونيسيا وغانا من أزمات كبرى عصفت بكياناتها الوطنية الكثير من العبر الممكنة.

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *