عمرو حمزاوى يكتب | عن تجريف النخب
فى مصر، دوما ما توظف مقولة «النخب المجرفة» إما للدفع بغياب البدائل السياسية للحكم وضرورة قبول «الرئيس» و«الحكومة» و«الوزراء» و«المسئولين» وبالطبع مرشح الحكم للرئاسة دون اعتراض، أو للتبرير الذاتى من قبل المعارضة لعجزها عن منازلة الحكم (بمعنى التنافس السلمى) لأن المجموعات والشخصيات المتصدرة للعمل السياسى المعارض لا يسمح لها بالاضطلاع بمسئوليات تشريعية وتنفيذية حقيقية وتهمشها سلطوية الحكم ومن ثم لا تقدر على التحول إلى نخب متماسكة ذات حضور شعبى وذات رؤى للتقدم وللديمقراطية وللعدالة وللتنمية قابلة للتطبيق.
والحقيقة أن توظيف مقولة «النخب المجرفة» لتمرير المضمونين هذين يتسم بفساد المنطق والجوهر ومردود عليه. فالدول والمجتمعات، بما فيها تلك التى تسيطر عليها نظم شمولية وسلطوية تميت السياسة والتنافس، وذات طبيعة قمعية، لا تعدم أبدا البدائل للحكم. فقد تجاوزت دول جنوب أوروبا أسبانيا والبرتغال واليونان الحكم الشمولى فى السبعينيات وبنت نظما ديمقراطيا معولة على نخب وقيادات جديدة لم يكن يعرفها الرأى العام المعنى قبل التغيير وتميزت بقدرتها على صناعة التوافق وإشراك بعض عناصر التكنوقراط والكفاءات البيروقراطية (وبغض النظر عن مواقف هؤلاء السياسية) فى العمل التشريعى والتنفيذى لكى تضمن عدم تعطل دولاب عمل الدولة والمجتمع فى مرحلة التغيير.
وتكررت ذات التجارب فى بعض بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا التى نجحت بها نخب جديدة (ضمت إلى صفوفها فى عدة حالات عناصر من النخب القديمة) فى بناء الديمقراطية وتجاوز بعض الأزمات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، وسرعان ما اكتشف الرأى العام زيف مقولات النخب المجرفة والبدائل الغائبة والرئيس الأبدى ومرشح الضرورة.
أما الترويج لضعف المعارضة وهشاشة النخب التى تمارس العمل المعارض ومحدودية خبراتها التشريعية والتنفيذية ومن ثم عدم أهليتها لمنازعة نخب الحكم فيبدو كحق يراد به باطل. نعم تتسم المعارضات فى النظم الشمولية والسلطوية بالضعف، ويرتب غياب فرص المنافسة الفعلية وتداول السلطة ابتعاد كفاءات المجتمع فى القطاعين العام والخاص عنها، وقد تتكلس أحزاب ومجموعات المعارضة وتشيخ قياداتها. إلا أن انفتاح الحياة السياسية والعامة فى مراحل التغيير، خاصة تلك المرتبطة بالتحول الديمقراطى، له أن يدفع إلى الواجهة بنخب بديلة ناضجة وفعالة ذات كفاءات مهنية أو إدارية أو اقتصادية حصلتها فى المؤسسات العامة والخاصة أو تتمتع بمهارات خاصة فى مجالات صناعة التوافق والتواصل والحوار المجتمعى طورتها فى مساحات مختلفة من الجامعات إلى المنظمات المدنية والحقوقية.
مثل هذه النخب البديلة تستطيع أن تتجاوز ضعف وهشاشة المعارضة وتضخ بأحزابها ومجموعاتها حيوية وفاعلية حين تقتنع بالمشاركة فى العمل السياسى، وتستطيع إن اختارت الابتعاد عنه لأسباب متنوعة ــ كما هو الحال فى مصر ــ أن تطرح بكفاءتها ومهاراتها على الدول والمجتمعات بدائل حقيقية للحكم من خارج السياسة تضمن إنجاز التقدم والتنمية.
غير الصحيح أن النخب مجرفة أو أن البدائل معدومة والعمل المعارض لا أصحاب له إلا غير القادرين وغير الفاعلين. بل المؤكد هو أن النخب البديلة تحضر دوما وأن مقولات الرئيس الأبدى ومرشح الضرورة والمعارضة الهزيلة أبديا غير موضوعية. فقط تنتظر النخب البديلة فى مراحل التغيير هذه أن تذهب السياسة إليها، وإن لم تفعل فإنها تنشط من خارج السياسة وتتجاوزها. وهذا هو ما أتمناه لمصر اليوم.