مجموعة سعودي القانونية

عمرو حمزاوى يكتب | مواجهة الإرهاب.. حقائق أخرى

عمرو حمزاوي

بعد الهجمات الإرهابية فى 11 سبتمبر 2011، ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية بجيوشها وعدتها وعتادها إلى أفغانستان والمناطق الحدودية بينها وبين باكستان لمحاربة حركة طالبان صنيعة المخابرات الباكستانية وتنظيم القاعدة الذى كان من بين روافد الوحشية والدموية والتطرف التى شكلته مجموعات دعمتها الاستخبارات الأمريكية وبعض الاستخبارات الخليجية فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين فى مواجهة الغزو السوفييتى ﻷفغانستان (1979).

أسقطت الحرب الأمريكية على أفغانستان حكم حركة طالبان، وقضت على بعض الملاذات الآمنة لتنظيم القاعدة وشتته فى أقاليم متفرقة، وأبعدت أخطار الهجمات الإرهابية عن الداخل الأمريكى الذى استعاد أمنه النسبى.

إلا أن الولايات المتحدة ومعها الكثير من الحلفاء الغربيين، وبالرغم من كثير الحديث عن التنمية وبناء الديمقراطية والسلم الأهلى ومن توالى الحديث عن خطط وبرامج الإصلاح المؤسسى وتثبيت الدولة، أخفقوا إلى اليوم فى فرض الاستقرار فى أفغانستان وفى الوفاء بوعود التنمية والديمقراطية والسلم، بل ولم ينجزوا هدف القضاء الشامل على حركة طالبان وبعض انشطارات القاعدة فى المناطق الحدودية مع باكستان وهى جميعا تنظيمات مازالت توظف البيئة المجتمعية الحاضنة لهم بفعل المظالم والفساد وانتشار الفكر المتطرف لكى تواصل هجماتها الإرهابية وإرهاقها العسكرى للقوات الأمريكية والغربية التى لم تتمكن من الانسحاب عائدة إلى بلادها إلى اليوم.

وتكررت ذات الحقائق والنتائج حين غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق ﻹسقاط نظام صدام حسين، مع فارق جوهرى هو أن الديكتاتور صدام حسين تورط فى إرهاب ممنهح وجرائم إبادة ضد شعبه وفى حروب إقليمية إلا أنه على خلاف حركة طالبان لم يدعم تنظيمات إرهابية أو يوفر لها ملاذات آمنة ولم يثبت عليه امتلاك أسلحة للدمار الشامل – وهذا وذاك من الأكاذيب التى روجتها الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية لتبرير غزو العراق واحتلاله. أما الحقائق المتطابقة فكانت السقوط السريع لنظام صدام حسين وكذلك لمؤسسات الدولة العراقية التى فككها المحتل، وكثير حديث وخطط وبرامج عن تحول ديمقراطى لم يتم وتنمية تراجعت وأمن غاب. وأما النتائج المتشابهة فكانت بيئة مجتمعية تتراكم بها المظالم والكراهية والتطرف، وطائفية ومذهبية تسيطران على بقايا الدولة وترتكب جرائم متتالية، وتنظيمات إرهابية تعتاش على المظالم والتطرف وتستوطن مناطق عدة بوحشية ودموية تستدعى ظلامية حروب الكل ضد الكل، وتهديدات إقليمية متنامية.

تدلل، إذن، القراءة الموضوعية لحرب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين على الإرهاب فى أفغانستان على أن الأدوات العسكرية والأمنية تستطيع أن تسقط سطوة الحركات والتنظيمات الإرهابية إلا أنها لا تنجح بمفردها فى القضاء الكامل عليها أو ضمان عدم عودتها مجددا بأشكال أكثر وحشية ودموية. توظيف الأدوات العسكرية والأمنية ضرورة لا تحتمل ترف التأجيل، إلا أن استمرارية «الفوائد» المرتبطة بها على المدى القصير مرهون بالحلول المجتمعية والتنموية والسياسية الأشمل.

أما الغزو الأمريكي ـ البريطانى للعراق فيذكرنا جميعا بحتمية الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة وأجهزتها لكى بل يتمكن الإرهاب أو تتمكن الطائفية أو المذهبية أو يتمكن التطرف من المواطن والوطن على المدى المتوسط والطويل، ولذلك شروط أهمها العدل والتنمية والتضامن الشعبى الواسع الذى يأتى به الشعور الوطنى مقرونا بحكم القانون الضامن لحقوق وحريات الناس، وشروط أخرى تأخذنا إلى تعبئة الدعم الإقليمى والدولى.

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *