عمرو حمزاوى يكتب | هنا وهناك.. أفكار حول تغول السلطة التنفيذية
هنا وهناك، تسعى السلطة التنفيذية دوما إلى التغول على المواطن بالعصف بحقوقه وحرياته وعلى المجتمع بمنظماته المدنية وجمعياته الأهلية بإخضاعها ومراقبتها وعلى السلطتين التشريعية والقضائية باستتباعهما إجرائيا وماليا وبالاعتماد على صلاحيات الرؤساء ورؤساء مجالس الوزراء لتمرير قرارات وسياسات استثنائية.
إلا أن الفوارق الجوهرية بينهم فى الأوطان التى استقرت بها الديمقراطية أو يتطور بها البناء الديمقراطى تدريجيا وبيننا نحن جموع الغارقين إما فى الاستبداد أو فى سلطويات تقليدية وحديثة تتمثل فى: 1ــ أن لديهم مبادئ دستورية وقواعد قانونية تطبق بفاعلية للحد من نزوع الحكومات إلى ممارسة القمع باتجاه حقوق المواطن وحرياته ولمنع تهديدها المستمر له بإمكانية تعريضه للقمع حال عدم الامتثال ولحماية الوجود المستقل للتنظيمات الوسيطة من منظمات مدنية وجمعيات أهلية وأحزاب سياسية ولغلِّ صلاحيات الرؤساء ورؤساء مجالس الوزراء عن استتباع السلطتين التشريعية والقضائية أو تعويق اضطلاعهما بمهمة الرقابة الناجزة على السلطة التنفيذية وأفعالها، بينما تختزل ذات مبادئ الدساتير والقواعد القانونية لدينا نحن إما إلى نصوص لا تطبق فى واقع المواطن والمجتمع وتضع محددات لسلوك الحكومات ومؤسسات الدولة وأجهزتها أو إلى نصوص تعطل فى الواقع عبر سلسلة متصلة من القرارات والسياسات بل والقوانين الاستثنائية أو إلى نصوص تستدعى اختياريا حين يرغب فى ذلك الرؤساء ورؤساء مجالس الوزراء.
2 ــ أن لديهم مبادئ دستورية وقواعد قانونية أخرى تلزم الحكومات بالتداول الحر للمعلومات والحقائق وبالشفافية وبإقرار المساءلة والمحاسبة لشاغلى المناصب العامة وتضع سياجا حاميا حول كافة التنظيمات الوسيطة طالما تحترم هى فى أفعالها وممارساتها الدستور والقانون وشروط الشفافية والسلمية وتصنع بيئات مجتمعية آمنة لحياة المواطنات والمواطنين على نحو يمكنهم من المطالبة العلنية بحقوقهم وحرياتهم وبالمحاسبة العلنية أيضا للمتورطين فى العصف بها، بينما تغيب مثل هذه المبادئ الدستورية والقواعد القانونية عنا نحن ونترك لمعلومات وحقائق لا تتداول ولهجمات سلطوية متكررة ضد التنظيمات الوسيطة ولبيئات مجتمعية لا مساواة بها ولا ضمانات فعلية بها لحقوق وحريات الناس البعيدين عن شبكات القوة والثروة والنفوذ والتأثير والذين يتركون للخوف وللقلق وللبحث الفردى عن تسيير آمن لمراكب الحياة ويذهب بذلك الشق الأكبر من طاقاتهم وفعاليتهم إلى إدارة صراعات ومخاوف يومية ويضيع على الوطن فرصة إسهامهم فى إدارة الشئون العامة بحيوية وإيجابية.
3 ــ أن لديهم رأيا عاما يعى جيدا مهما تراوحت التوجهات الأيديولوجية والفكرية والسياسية ومهما تفاوتت المصالح الاقتصادية والاجتماعية كارثية تغول السلطة التنفيذية على المواطن والمجتمع وعلى السلطتين التشريعية والقضائية ويساعده تنوعه وتعدديته على رفض الترويج للرأى الواحد والصوت الواحد وللقرارات والإجراءات الاستثنائية وتجاوز هيستيريا الاعتماد الأحادى على الرؤساء ورؤساء مجالس الوزراء، بينما يعانى الرأى العام لدينا من الاستدعاء الدائم والمتناقض مع حقائق تاريخنا وتواريخ غيرنا لصور نمطية إيجابية للقائد مطلق الصلاحيات وللحاكم رب العائلة وللدولة التى ينبغى أن تقدم على المواطن والمجتمع وتتماهى هى بمفردها مع الوطن وباسمها يمرر للرأى العام تقنين الاستثناء واحتكار القلة لحق التعبير عن الانتماء الوطنى ثم يختزل الأخير فى تأييد أحادى للسلطة التنفيذية ويستبعد من دوائره معارضى السلطة التنفيذية الذين يتحولون إلى مارقين وخارجين على الوطنية ومغضوب عليهم.
•••
هنا وهناك، تجدد السلطة التنفيذية دوما حديثها عن خطط وبرامج وقرارات وسياسات لمواجهة الأزمات واحتواء التحديات والارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنات وللمواطنين والدفاع عن الأمن القومى وحماية والانتصار للسيادة الوطنية ولحقوقها فى السياقات الإقليمية والدولية المختلفة. هنا وهناك، تنزع السلطة التنفيذية إلى الاكتفاء بعمومى الحديث وإلى التنصل المستمر من ضرورات تداول المعلومات والحقائق وإلى الترويج الدعائى لفعلها عبر صحافة ووسائل إعلام وتواصل عامة وخاصة وإلى تغييب التقييم الموضوعى لحصاد خططها وبرامجها وقراراتها وسياساتها.
إلا أن الفوارق الجوهرية بينهم فى الأوطان التى استقرت بها الديمقراطية أو يتطور بها البناء الديمقراطى تدريجيا وبيننا نحن جموع الغارقين إما فى الاستبداد أو فى سلطويات تقليدية وحديثة تتمثل فى:
1ــ أن لديهم صحافة ووسائل إعلام وتواصلا يفرض تنوع توجهاتها وانحيازاتها الأيديولوجية والفكرية والسياسية وتعدد أنماط ملكياتها وأشكال إدارتها حدا أدنى من مهنية العمل ومن موضوعية التعامل مع الأخبار والآراء بالبحث عن الشق المعلوماتى ومكون الحقيقة بجانب التعبير عن التوجهات والانحيازات ويندر لذلك أن يتقلص دورها إلى النقل غير النقدى لرؤى وتفضيلات السلطة التنفيذية أو أن تصمت عن توثيق وكشف اختلالات وتجاوزات وانحرافات أفعال الحكام والحكومات إن حين ينتهكوا حقوق وحريات المواطن أو يرهقوا المجتمع وتنظيماته الوسيطة تلويحا بالقمع وتهديدا بالاستثناء أو يتغولوا على السلطتين التشريعية والقضائية أو يطمسوا المعلومات والحقائق بشأن نتائج الخطط والبرامج وغيرها، بينما نفتقد نحن خاصة اليوم الصحافة التى لا تنسى البحث عن المعلومة والإعلام الذى يحترم الموضوعية والتعددية على الأقل بين الفينة والأخرى ووسائل التواصل التى تناهض احتكار السلطة التنفيذية للحقيقة ولا تتحول إلى ترويج هيستيريا الرأى الواحد والصوت الواحد وفاشية التخوين والتشويه عند الاختلاف وتتورط فى السلبيات هذه مؤسسات وأجهزة عامة تدير بعض الصحافة والإعلام ومصالح اقتصادية ومالية خاصة تملك البقية وطيور ظلام تهيمن على بعض ساحات وسائل التواصل.
2 ــ أن لديهم منظمات مدنية وجمعيات أهلية وأحزابا سياسية تراكم لديها من المعرفة ومن القدرات المؤسسية والبشرية ومن الخبرات التفاعلية مع مؤسسات الدولة وأجهزتها والتجذر المجتمعى والاقتراب اليومى من المواطن ما يؤهلها لمتابعة فعل السلطة التنفيذية ولتوثيق وكشف الاختلالات والتجاوزات والانحرافات ومخاطبة الرأى العام بشأنها ولصياغة مقترحات بناءة للتغيير وللإصلاح ولإعادة الحسابات لكى تتحقق أهداف المواطن والمجتمع والدولة، بينما تغيب كافة هذه المعارف والقدرات والخبرات وسمات التجذر المجتمعى والاقتراب اليومى من المواطن عن تنظيماتنا الوسيطة التى تعانى منذ عقود من هجمات سلطوية متكررة ولم تتمكن إلى اليوم من مقاومة الترويج المستمر بين الناس للاعتماد الأحادى على السلطة التنفيذية التى تختزل فيها الدولة بعد تقليص أهمية المواطن والمجتمع بل ويختزل فيها الوطن كله.
3 ــ أن لديهم سلطات تشريعية وقضائية تخضع السلط التنفيذية لآليات وإجراءات الرقابة الدورية عبر تخصيص الموازنات السنوية ومتابعة أوجه الإنفاق الحكومى وعبر الأدوات التشريعية والقانونية المختلفة ولا تتخوف أبدا من فرض الرقابة على كافة المؤسسات والأجهزة التنفيذية عسكرية ومدنية وتملك من التواصل مع الصحافة والإعلام ما يمكنها من مقاومة دعاية الرؤساء ورؤساء مجالس الوزراء أن البرلمانات والمحاكم يحولون بينهم وبين الاضطلاع بمهام مناصبهم ومن تحويل الاختلالات والتجاوزات والانحرافات إلى قضايا سوء استغلال للمنصب العام وفساد حكومى، بينما نحن جموع الغارقين فى الاستبداد وفى السلطويات التقليدية والحديثة ليس لنا مثل هذه البرلمانات والمحاكم وأصبح بين ظهرانينا «الاستثناء» هو القاعدة بصياغات دستورية وقانونية تغل يد السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن إخضاع الحكام والحكومات للرقابة والمساءلة والمحاسبة وتخرج بعض المؤسسات والأجهزة التنفيذية (خاصة العسكرية والأمنية منها) من إطارات الرقابة المتعارف عليها.