مجموعة سعودي القانونية

عمرو حمزاوى يكتب | وحشية ليست بمستحدثة

عمرو حمزاوي

وحشية تنظيمات الإرهاب وجماعات العنف ليست بمستحدثة، والدموية المريضة المرتبطة بقطع رقاب الضحايا أمام عدسات كاميرات فيديو دائرة لا تختلف كثيرا عن دموية المقاطع المصورة المتداولة للتمثيل/للتنكيل بجثث بشر لم تحفظ لهم الكرامة الإنسانية لا فى حياتهم ولا بعد الممات قتلا أو تعذيبا أو خوفا.

وحشية ودموية تنظيمات كداعش وغيرها من انشطارات القاعدة فى المشرق العربى وشبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا تجتذبان مرضى نفسيين صنع منهم الفقر والتهميش والتمييز والعنصرية فى المجتمعات الغربية، التى عاشوا بها متطرفين يقبلون على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وذبح وتقطيع رقاب، ويرون فى ذلك تحقيقا لذواتهم وإثباتا لقدرتهم على تحدى الغرب وإذلال أغلبياته ذات الانتماء الدينى المغاير زيفا باسم الإسلام.

وحشية ودموية تنظيمات الإرهاب وجماعات العنف تجتذبان متطرفين عرب جبلتهم عوامل كالمظالم المتراكمة فى مجتمعاتنا والقمع والقهر باسم حاكم أو منظومة حكم/سلطة أو طائفة أو مذهب على تبرير القتل والتصفية الجسدية على الهوية واستساغة ارتكاب الجرائم ضد الأطفال والنساء والرجال، ودفعت معاناتهم من أزماتنا المستحكمة كشيوع الفقر والجهل والتمييز وغياب الحرية إلى تعطيل العقل والضمير والقيم الإنسانية وهيئتهم لتقبل الاستدعاء الزائف للدين لتبرير الوحشية والدموية.

وحشية ودموية تنظيمات الإرهاب وجماعات العنف تجتذبان بعض شباب القطاعات السكانية المهمشة والفقيرة فى بعض بلدان القارتين الأفريقية (إقليم الساحل فى الغرب الأفريقى) والآسيوية (باكستان وأفغانستان وبعض الجيوب الصغيرة فى الهند وبنجلاديش والفليبين وغيرها)، وكذلك فى مناطق الشيشان فى روسيا التى إما تعانى من أزمات اقتصادية واجتماعية لم تحل أو تواجه أزمات هوية وانتماء فشلت السلطوية (كخبرتها دوما) فى احتوائها.

أما فى أوساط الجاليات العربية والمسلمة التى تعيش فى مجتمعات الغرب الأوروبى والأمريكى فى ظل رخاء اقتصادى واجتماعى نسبيين ولأبنائها حظ جيد من التعليم والعمل، فلا جاذبية على الإطلاق لوحشية ودموية تنظيمات الإرهاب وجماعات العنف. وكذلك ينقلب الأمر أيضا إلى رفض مجتمعى عام لفكر التطرف الكامن وراء تنظيمات كداعش وانشطارات القاعدة الأخرى فى بلدان ذات أغلبيات سكانية مسلمة حققت معدلات تنمية متقدمة، ونجحت فى احتواء الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات الهوية عبر مزيج تنموى عماده الإدارة الناجحة للمؤسسات العامة والخاصة، ومحاربة الفساد والشفافية المدعومتين بحكم القانون، والديمقراطية التى تكفل حرية الفكر والتعبير عن الرأى وتضمن حقوق الإنسان والتداول السلمى للسلطة ومشاركة المواطن فى شئون بلاده ــ هنا تستحق حالتا ماليزيا وإندونيسيا فى القارة الآسيوية الكثير من التأمل والدراسة، وكذلك الوضعية الراهنة لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انقضاء الحرب الأهلية فى يوغسلافيا السابقة واستقلالها ولحاقها الجزئى بركب الاتحاد الأوروبى وتخلص مجتمعها من أشباح الاستبداد والتطرف وصراعات الهوية، التى طاردته طويلا.

ثقوا فى أن مهمة تجريد تنظيمات الإرهاب وجماعات العنف من «جاذبية» وحشيتهم ودمويتهم لن تسعفنا بها المواجهات العسكرية والحلول الأمنية فقط ولن تحول بينهم وبيننا فى العالم العربى أحاديث ومقولات إصلاح الخطاب الدينى، وذلك على الرغم من أهمية الأمرين. المدخل الحقيقى لمواجهة الإرهاب والعنف وفكر التطرف الكامن وراءهما هو إقامة دولة العدل ومجتمع التنمية المستدامة وبناء الديمقراطية التى لها وحدها أن تنشر مناخات الحرية والإنسانية.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *