عمرو حمزاوي يكتب
اغتيال الوطن
تغتال الأعمال الإرهابية حق الإنسان فى الحياة وحق المجتمع فى الأمن والسلم الأهلى وحق الدولة فى التماسك وحق الوطن فى الوجود.
تقضى الأعمال الإرهابية على فرص المواطن والمجتمع والدولة والوطن فى التطور الإيجابى باتجاه حقوق وحريات شخصية ومدنية مصونة، وتنمية بشرية مستدامة تضمن التقدم والعدالة الاجتماعية، ومؤسسات دولة تلتزم سيادة القانون وتداول السلطة وتمتنع عن انتهاكات الحقوق والحريات ولا تعول أحاديا على الحلول الأمنية، ووطن يقترب تدريجيا من التسامح والتعددية والديمقراطية.
تزج الأعمال الإرهابية بالمواطن إلى خانات تتراوح بين اعتياد العنف والدماء وبين الشعور المستمر بالترويع والخوف، إلى خليط من اعتياد الأرقام التى توثق أعداد القتلى والمصابين والبيانات التى تميز بين هوياتهم ولا تغير أبدا من حرمة دمائهم وأجسادهم وصحتهم النفسية والإحساس بالصدمة والحزن والألم كلما ارتفع صوت القنابل والتفجيرات الإجرامية.
تدفع الأعمال الإرهابية المجتمع إلى هاوية فقدان القدرة على إدارة الحياة اليومية بطبيعية، إلى حالة من الخوف من التنقل والعمل والدراسة ومزاولة الأنشطة الاجتماعية، إلى توقع جماعى للاستيقاظ يوميا على أصداء أخبار التفجيرات والهجمات والقتلى والمصابين، إلى قلق واسع على تماسك الدولة وفاعلية مؤسساتها التى صنعها المجتمع لتحقيق الأمن والعدل وحماية الحق فى الحياة، إلى حنين متصاعد إلى الماضى الآمن وتناسٍ منظم لمظالمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
تفرض الأعمال الإرهابية على الدولة واجب الدفاع عن احتكارها لحق الاستخدام المشروع للقوة فى وجه المجموعات التى تحمل السلاح وتتورط فى العنف، وتسهل لنخب الحكم غير الراغبة فى التزام سيادة القانون وتداول السلطة مهمة اختزال مواجهة الإرهاب فى حلول أمنية وتجاهل ضمانات الحقوق والحريات لجميع المواطنات والمواطنين، وتكاد تجعل من البحث عن التوازن بين الحلول الأمنية والحلول الأخرى ومن مطالبة الدولة بالعدل والتزام سيادة القانون دربين من دروب المستحيل، وتضع ظلما المدافعين عن الحقوق والحريات إما فى خانة الرومانسيين والحالمين وإما فى خانة المتآمرين على الدولة.
تحيط الأعمال الإرهابية الوطن بسياج مرعب من أخطار غياب الأمن وعدم الاستقرار والفوضى والعنف الأهلى والاستباحة لصراعات قوى داخلية محركها الوحيد السعى إلى السلطة والاستتباع لمصالح خارجية تريد النفوذ والسيطرة، وتجذر حين تقترن باستقطاب سياسى وبحضور لثنائيات الـ«مع» والـ«ضد» الحدية ليس فقط من الانفصال النفسى والقيمى والإدراكى الضرورى بين أغلبية المواطنات والمواطنين الذين يدينون الإرهاب وبين المجموعات المتورطة به، بل بين الأغلبية وأقلية تصنف كمسئولة سياسيا عن الإرهاب وداعمة له إما لاضطراب مواقفها أو لرمادية الحدود الفاصلة بينها وبين ممارسة العنف وإما لكونها تعمد إلى توظيفه سياسيا أو لأن معارضتها للحكم ترتب تصنيفها هذا فى دوائر الرأى العام، وفى الحالات جميعا تتهدد الوطن كوارث نزع الإنسانية والعقاب الجماعى وانهيار العيش المشترك.
جميع هذه الحقائق، والتى سجلتها حوليات التاريخ البشرى المعاصر وترصد الصحف والقنوات التليفزيونية وشرائط الأخبار تداعياتها الكارثية منذ سنوات فى العراق وحصادها الأليم الحالى فى سوريا وليبيا، تلزمنا اليوم فى مصر بالتوحد فى إدانة ورفض ومواجهة الأعمال الإرهابية التى تغتال المواطن والمجتمع والدولة والوطن.
جغرافيا الأعمال الإرهابية والتفجيرات الإجرامية، التى امتدت من سيناء إلى الوادى ولا تميز قنابلها لا بين عسكريين وشرطيين ومدنيين ولا بين أكمنة عسكرية ومنشآت أمنية ومحيط جامعة كجامعة القاهرة، تلزمنا اليوم فى مصر بالتوحد فى دحض التبريرات الواهية التى تسوقها أصوات ومجموعات ألقت بالإنسانية والدين والقيم وحب الوطن وتقديم صالحه العام بعيدا عن أقوالها وأفعالها وممارساتها وفى المطالبة بالقضاء على خطر الإرهاب الذى تمثله ومحاسبتها القانونية الناجزة.
جغرافيا الأعمال الإرهابية والتفجيرات الإجرامية الممتدة بطول مصر وعرضها، التى تغتال حقنا فى الحياة وتقضى على طبيعية المجتمع وتجعل منا جميعا مرضى نفسيين فى مجتمع مريض، تلزمنا اليوم بالتوحد فى مطالبة الدولة ومؤسساتها بالمواجهة فى إطار القانون وضمانات الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية وبتعويل غير أحادى على الحلول الأمنية والمزج بينها وبين حلول أخرى لكى لا تترادف جغرافيا الإرهاب مع جغرافيا غياب العدل وتراكم المظلوميات وبيئة اجتماعية تعتاش عليها بدلا من أن تلفظها.
جغرافيا الأعمال الإرهابية والتفجيرات الإجرامية، التى تلاحقنا يوميا والتى تسقط ضحايا أبرياء من عسكريين وشرطيين ومدنيين وتنشر الحزن فى ربوع الوطن، تلزمنا اليوم بالتوحد فى رفض غموض / رمادية / ازدواج مواقف بعض الأطراف من إدانتها (مقالة الأستاذ فهمى هويدى منذ أيام بشأن مطالبة جماعة الإخوان بإبراء الذات من الإرهاب والعنف وتوظيفه السياسى) وفى لفظ السياسة التى تعتاش على العنف أو التهديد به بعيدا عنا، تماما كما تلزمنا بالتوحد فى رفض توظيف بعض مؤسسات وأجهزة الدولة لضرورات مواجهة الإرهاب للعصف الرسمى بسيادة القانون وتعميم الإجراءات الاستثنائية وانتهاك الحقوق والحريات وفرض الصوت الواحد على المواطن والمجتمع والدولة والوطن.
جغرافيا الأعمال الإرهابية والتفجيرات الإجرامية، التى تلقى أمامنا بشبح التداعيات الكارثية للحالات العراقية والسورية والليبية، تلزمنا اليوم بالتوحد فى الانتصار للمواطن الإنسان الذى يرفض العنف ويدافع عن الحق فى الحياة له ولغيره دون تمييز، للمجتمع الذى يريد استعادة اعتياديته وطبيعيته وحب الحياة والسعادة والتفاؤل بالحاضر والمستقبل بتقديم السلم الأهلى والعيش المشترك على السياسة المريضة بالصراع وعلى الأطراف والمجموعات التى لا ترى فينا إلا دمى يقايض على حياتها وأمنها فى سعى مجرم للسلطة، للدولة المتماسكة بالعدل والفاعلة بسيادة القانون والقادرة على مواجهة الإرهاب والعنف دون ظلم أو استثناء أو نزع للإنسانية وللوطنية عن المعارضين للحكم، للوطن الوجود والمعنى والأمل فى التقدم والتنمية والديمقراطية الذى يغتاله الإرهاب.