عمرو حمزاوي يكتب | عن كائنات أسطورية تستدعى وصناعة للخوف تروج ومعرفة علمية غائبة
فى عصور ما قبل المعرفة العلمية، عول الحكام المستبدون والمؤسسات الدينية الحاكمة ــ من بين أدوات قمعية أخرى ــ على نشر مشاعر الفزع / الذعر / الخوف من أعداء متوهمين فى الداخل والخارج وتوظيفها فى إخضاع المحكومين وتجريدهم من حقوقهم ودفعهم إلى طاعة الحكم ومن ثم القضاء على نزوع الإنسان الفطرى للحرية.
وتناوبت على اكتساب هوية «العدو» إما كائنات أسطورية أو سحرة أشرار أو طوائف وقبائل متعطشة للدماء وللظلام الأبدى أو فرق كافرة ومارقة وخارجة على الدين أو متآمرون فى الداخل والخارج ينزلون الخراب والدمار أو مفكرون وشعراء وفنانون وعلماء يتمردون على سلطة الإله ويبحثون عن إنساق قيمية ومعارف بعيدا عن سلطة الحاكم أو سلطان المؤسسة الدينية. وحين حل الخراب والدمار بسبب أفعال وممارسات الحكام المستبدين وقيادات المؤسسات الدينية الحاكمة التى وجهتها الرغبة فى السيطرة والبقاء فى الحكم والقمع وتجريد الناس من حقوقهم وحرياتهم، ورفض هؤلاء الاعتذار / الاعتراف بالخطايا / إعادة النظر فى الأفعال والممارسات وتغييرها، حضر أعداء الداخل والخارج ليحملوا المسئولية بالصيغ الاتهامية والتآمرية المعهودة.
ثم كان أن رتب كل من البزوغ التدريجى لعصر المعرفة العلمية، والتقدم التدريجى للبشرية نحو إقرار الحقوق والحريات، وغل يد الحكام والمؤسسات الدينية عن السيطرة على أجساد وعقول الناس وعن احتكار حق الحديث باسم ضمائرهم وعن القمع التراجع الواضح لنشر الفزع/ الذعر / الخوف من أعداء متوهمين وللترويج للصيغ الاتهامية والتآمرية المعهودة ومحلهم حلت تقاليد جديدة كالاعتراف بالخطايا والنقد الذاتى والمساءلة والمحاسبة والشفافية والمصارحة وتصحيح المسار والتغيير الإيجابى. ودوما ما ارتبط تراجع صناعة الفزع / الذعر/ الخوف بعلاقة طردية بتقدم المجتمعات البشرية وانتقالها من الأطوار البدائية والتقليدية إلى مراحل ومحطات التحديث المتلاحقة.
اليوم فى مصر، تكشف متابعة الخطاب الرسمى لمنظومة الحكم/ السلطة والخطاب الإعلامى المؤيد له عن استدعاء منظم دون معلومات/ حقائق موثقة لكائن أسطورى جديد «داعش» التى أضحت بين عشية وضحاها تهدد بالويلات المساحة الممتدة بين العراق وليبيا، وعن ترويج ــ مع تغييب المعرفة المتوافرة بشأن الطبيعة المتنوعة للجماعات وللشبكات الإرهابية المتواجدة فى المشرق العربى وشمال إفريقيا ومصادر تمويلها ــ لمقولات خطر ينزع عنها المكون الموضوعى المرتبط بالقراءة المعلوماتية / الواقعية للأخطار / للتهديدات ولأدوات الاحتواء الأنجع، وعن نشر لمشاعر الفزع /الذعر/ الخوف بين الناس على نحو يدفعهم لانتظار الخلاص / الإنقاذ / النجدة فقط من منظومة الحكم / السلطة المختزلة فى فرد واحد ــ وعلى نحو يجرد الناس أيضا من القدرة على التفكير بحرية وممارسة النقد البناء والبحث عن بدائل تبتعد عن اختيارات الحكم بل وقد ترفضها.
اليوم فى مصر، تذكر ذلك جيدا عزيزى المواطن المغيب عن المجال العام، ندفع دفعا إلى عصور ما قبل المعرفة العلمية واستدعاء الكائنات الأسطورية وصناعة الخوف بهدف السيطرة وإخضاعنا كمحكومين، ونجرد من القدرة الموضوعية على مواجهة الأخطار والتهديدات المحيطة بنا ــ والتى لا أشكك فى حضورها ــ دون صيغ اتهامية وتآمرية ودون مبالغات تتناقض مع المعرفة العلمية وتضيع فى التحليل الأخير فرصنا الفعلية كدولة ومجتمع ومواطنات ومواطنين / كوطن فى النجاة وتحقيق التقدم والديمقراطية. تذكر ذلك جيدا وأعمل عقلك فى تداعياته!