عمرو خفاجى يكتب | استقالة الدكتورة منى
كانت احتجاجات الأطباء من أنبل الاحتجاجات التى انطلقت وصاحبت ثورة ٢٥ يناير، احتجاجات نفضت عن نفسها صفة الفئوية بمجرد انطلاقها، احتجاجات لا تفكر فقط فى تحسين وضع الأطباء، رغم مشروعية ذلك، لكنها قصدت تحسين الوضع الصحى فى البلاد، وتقديم رعاية طبية أفضل لجموع المواطنين، ومن هنا كانت نضالات جماعة من الأطباء خلال ثلاث سنوات، هذه الجماعة، على غير ما تعتقد، حققت الكثير من الانتصارات، كما شهدت أيضا بعض الانتكاسات، مثلها تماما مثل الثورة نفسها، ويكفى أن نشير إلى النجاح الذى حققته الجماعة الطبية بالنص فى الدستور على ميزانية محترمة للإنفاق على الصحة لتحسين الوضع العلاجى لعموم المواطنين عامة، وللفقراء منهم خاصة، وهو انتصار حقيقى لجماعة الأطباء فى طريق نضالهم النبيل لتحقيق واحد من أهم أهداف الثورة وهو الكرامة الإنسانية، فحقا كان العلاج ولا يزال، مهينا لكرامة الكثيرين، لكن الخطوة الأولى على طريق تحقيق ذلك حدثت بالفعل عبر النص الدستورى. لذا كانت استقالة الدكتورة منى مينا من منصبها كأمين عام لنقابة أطباء مصر صادمة على جميع المستويات والأصعدة.حينما أتحدث عن استقالة الدكتورة منى، فنحن هنا لسنا بصدد استقالة قيادة نقابية ناجحة، إنما نتحدث عن خروج مناضلة ثورية حقيقية من الصف الثورى، وهو أمر محير فعلا ويكشف عن عورات فى المجال العام، والقصة أكبر بكثير من نقابة الأطباء رغم الوزن النسبى الهام لهذه النقابة، فالدكتورة منى رمز لمن يرغب فى التغيير ويصر عليه، بل ونجح فى ذلك فعلا، كانت من بين تيار فاعل فى النقابة اسمه تيار الاستقلال، استطاع عبر نضالات متعددة أن يحرر النقابة من هيمنة الجماعة، والعودة بها لكيان مهموم بحال الأطباء والطب فى مصر، وكان من ضمن ما هدفوا إليه إقرار مشروع الكادر الخاص بهم، وهو الأمر الذى لم يتحقق كليا حتى الآن، وإن تحسنت شروط التفاوض مع الدولة، وصارت أكثر تفهما لذلك، وحينما اختار الأطباء عبر جمعيتهم العمومية الإضراب المتصاعد طريقا لتحقيق مطالبهم، ظهرت أزمة انفضاض أو تجاهل أطباء لهذا الإضراب، وبدت الأزمة جلية فى عدم الإقبال على الجمعية العمومية الأخيرة، مما دفع بعض الأطراف لانتقاد الدكتورة منى، والتى لم تتحمل ذلك فذهبت إلى الاستقالة.. وهذا ما أعتقد أنه ضوء أحمر يجب التوقف عنده ومحاولة فهمه.لدينا غالبية تحتار حقا عندما تتصدى لمواجهة أى مشكلة، ما بين تفويض قيادات، أو تقويض هذه القيادات، وفى الحالتين هناك مشكلة، فعند التفويض تنفض الغالبية التى كانت متحمسة، وتترك للقيادة كل شىء دون أن تعلم أنها فى هذه الحالة تترك القيادة عارية وحيدة فى مواجهات صعبة، فالأصل دائما أن القيادة تقف وخلفها ظهير من جمهورها يدعمها ويشجعها، ولا يدرك هذا الظهير أنه بانسحابه ورغبته فى الحل الفورى العاجل، أنه يقوض الأمر برمته وينتهى بيأس القيادة كما فعلت الدكتورة منى تماما، أما عند تقويض القيادة، فيعتقد الجمهور أنه كله على بعضه مكلف بالمهمة ويظل يصرخ بمطالبه دون ترك فرصة للقيادة للتفاوض والتصرف فى الأمر، فيرتبك المشهد، وبالضرورة يهدأ الفوران الجماهيرى، وتتجمد القضية مجددا، وهذا ما حدث كثيرا خلال السنوات الثلاث الماضية، استقالة الدكتورة منى جاءت كاشفة، لعدم فهمنا لطبيعة العمل فى المجال العام، كما أنها تكشف، ولو على استحياء، أن نفس المقاومة فى مصر للمشكلات المزمنة قصير، ويحتاج لعلاج فورى حتى نتمكن من العودة لتحقيق الحياة الأفضل التى نناضل من أجلها.. دكتورة منى لا تستقيلى، ليس من أجل نقابتك فقط، بل من أجل كل نضالات العمل العام التى ستخسر كثيرا بهذه الاستقالة.