عمرو خفاجى يكتب | الإدارة باليأس
من الأساطير التى روجت لها جميع القوى السياسية فى أعقاب ثورة يناير، أن ما تعانى منه مصر هو الفساد، ولا شىء غير الفساد، وأن الفساد هو الذى أفقر البلاد والعباد، وأن هذا الفساد فقط لو توقف ستصبح مصر من أغنى بلاد العالم، حتى إن الرئيس السابق محمد مرسى قال ذلك نصا فى أحد خطاباته فى بداية توليه المسئولية، ولا شك بالطبع أن الفساد كان يمثل إهدارا حقيقيا لموارد الدولة، وتوزيع جزء من ثرواتها على جماعة الحكم والمحاسيب وكل من يعمل فى خدمة السلطة، حتى إن كثيرا من المواطنين ظلوا يحسبون حصتهم عندما يتم استرداد هذه الأموال، والأهم أن الجميع بات مقتنعا أنه فور توقف الفساد سيصيرون مواطنين فى دولة غنية، وكانت هذه أولى الكوارث التى شارك الجميع فى صنعها، وتواطئوا معا لتجميل صورة قبيحة، لذلك لم يعمل أحد على تشخيص حقيقى لما نعانى منه، وتسبب فى سوء الأوضاع التى وصلنا إليه، وانشغلنا بمحاكمة الفساد والتفتنا ــ فقط ــ لتشريع كل ما يمنعه أو يعيده، دون أن نواجه أنفسنا بمجمل الأسباب التى أوصلتنا لهذه الدرجة من السوء والرداءة فى جميع أمور حياتنا.
كان من المذهل حقا أن يتغاضى الجميع عن فكرة الفشل التى ضربت غالبية مؤسساتنا وقطاعات أعمالنا المختلفة، كان الفشل واضحا فى كل شىء، فى التعليم والصحة والتشغيل فى رصف الطرق فى تطبيق القانون، كان عدم الكفاءة واضحا، ليس فقط بسبب الفساد والمحسوبية، وإنما غياب كامل للكفاءة وقواعد العمل، ويظهر ذلك جليا فى المؤسسات والشركات التابعة للقطاعات البعيدة عن يد الدولة، فقد غابت قيمة العمل تماما، واختفت الكفاءات، وتساوى الذين يعملون والذين لا يعملون، وقد لا يصدق البعض، أنه حتى هذه اللحظة، وفى ظل نسب بطالة مرتفعة، تعانى قطاعات عديدة من عدم وجود عمالة تتطلب كفاءات ومهارات خاصة، بما فى ذلك قطاعات حكومية، ويكفى أن نشير إلى أن وزارة الصحة تحتاج لآلاف الممرضات المدربات على العمل فى غرف العناية الفائقة، وهذا يكشف بجلاء حجم الفشل الذى وصلنا إليه.
وإذا وضعنا الفشل بجوار الفساد، سنتفهم على الفور لماذا لجأت غالبية القيادات لإدارة مؤسساتهم بما يطلقون عليه «الإدارة باليأس»، وهذا ينطبق على جميع مجالات الأعمال الحكومية وغير الحكومية، فالواقع محاط بالفساد، والمؤسسات مكتظة بالفشل، لذا أعتقد أن لحظة مواجهة الحقيقة قد حانت، وعلينا أولا الاعتراف بحالة الفشل التى تسيطر على مجريات العمل فى مصر، وفى مقدمتها غياب الكفاءات فى مستويات الإدارة العليا، ولا يمكن أن تتم أى عمليات إصلاح حقيقية فى ظل غياب الكفاءات، فكيف نطلب أن يكون العامل ماهرا ويعمل بجدية على زيادة الإنتاج، دون أن يكون رؤساؤه يعرفون ما هى المهارة المطلوبة، ولا يملكون سبل زيادة الإنتاج، وقد هالنى خبر أن مصانع شركة غزل المحلة لا يصنف جل إنتاجها على أنه فرز أول، وأن خيارات التوريد للتجار تتراوح بين الفرز الثانى والثالث، فالمشكلة بصراحة ليست قصة عمالة أو إدارة، بقدر ما هى قصة الاستسلام للفشل، أو فى أحسن الأحوال تحقيق الحد الأدنى من شروط ومواصفات الإنتاج، بإعتبار ذلك نجاحا، وطبعا هذا هو منتهى الفشل.
الخروج من حالة الفشل إرادة دولة، قبل أن تكون إدارة مؤسسة، وإذا وجدت هذه الإرادة سيكون لدينا ثقافة نجاح، وقتها ستعود قيم العمل للهيمنة على أسواق التشغيل، وسيحدث الفرز الصحيح بين الذين يعملون والذين لا يعملون، وسيعرف كل مواطن الطريق السالكة نحو الحياة الكريمة، وقتها لن يجد الغاضبون من الفشلة سبيلا لسلب حقوق ليست حقوقهم، وسيدرك الجميع بأن العمل والكفاءة والانضباط هو السبيل للترقى، لكن كل ذلك لن يتحقق، إلا اذا كانت القيادات لا تصل لمناصبها إلا بذات الشروط: العمل والكفاءة والانضباط.. وللأسف الشديد هذا ما لا نلمحه فى أى أفق حتى الآن.