مجموعة سعودي القانونية

عمرو-خفاجى

ما لم يدركه البعض حتى الآن، أن ما كان بالضرورة خافيا قبل سنوات صار معروفا ومعلنا الآن، وانه، لحد ما، لم يصبح النظام الحاكم هو المحتكر للمعلومات والحقائق، وهو من يسطرها وينشرها، فقد صار الجميع شركاء فى الكتابة والنشر والمعرفة، وان التاريخ قد نزل إلى الشارع فعلا، وأصبح ملكا للجميع، وان الدولة عليها شجاعة الاعتراف بذلك والانصياع له، لأن كتابة التاريخ الصحيح لا يحدث إلا فى بيئة ديمقراطية حقيقية وهذه الديمقراطية دائما هى التى تقف فى وجه محاولات تزوير وتزييف التاريخ وتشويه حقائقه كما يحدث فى بلادنا منذ سنوات طويلة، وهو ما أرجعه أستاذ التاريخ القدير الدكتور محمد عفيفى لاستبداد الدولة، التى كانت تحرص على كشف ما تريد كشفه فقط ليحقق مصالحها ويتبناها، بينما تبذل الدولة جل جهودها من إجل إخفاء الحقائق عن أصحابها، وطوال الوقت كانت تتذرع الحكومات المختلفة بالأمن القومى لمنع الباحثين من الاطلاع على الوثائق التى تحوى تاريخ البلاد، وهو ذات السبب الذى يطل علينا من حين لآخر حتى الآن كلما تحدثنا عن ضرورة الإفصاح عن تاريخنا.

ومن الأمور المضحكة، أن الدولة ترفض الإفراج عن وثائق باتت متاحة لسكان الكرة الأرضية عبر الشبكة العنكبوتية، وبمجرد ضغطة زر بسيطة يستطيع أى إنسان قراءة وثائق تاريخ مصر التى تخفيها عنا الدولة لدواعى الأمن القومى، وكأننا خطر على هذا الأمن، بينما العالم الخارجى الذى يملك هذه الوثائق فعلا لا يمثل خطورة على أمننا القومى، المشكلة التى لا يدركها جهابذة هذه الأفكار، أنهم تركوا تاريخنا ملكا للآخر، يرويه بوجهة نظره، من دون أن يمكننا من كتابة ورواية تاريخنا بأنفسنا، وهو ما يعنى أن تاريخنا صار منقوصا أو فى أحسن الأحوال مكتوبا بوجهة نظر الآخر، ومن بين هذا الآخر أعداء لنا، ويكفى أن نشير إلى حرب أكتوبر، حيث تتعدد الكتابات الإسرائيلية، بينما لم يتم حتى الآن السماح لنا بكتابة تفاصيل هذا الانتصار العظيم، وغيره الكثير من تواريخ مصر العظيمة، والتى ــ للأسف الشديد ــ قرأناها وعرفناها من وثائق إنجليزية وأمريكية وروسية وتركية، بينما لم تخرج لنا وثائقنا التى تكشف الجانب الآخر من حقائق وأحداث تاريخنا الحديث.

قد تبدو القضية هامشية عند كثيرين، لكن الواقع يؤكد انها من اهم القضايا التى يجب ان ننشغل بها، وقد اندهشت من مناقشات تعديلات الدستور التى تجاهلت تماما فكرة الأرشيف الوطنى واستقلاليته، وحماية حق المواطن فى معرفة تاريخه والاطلاع عليه، فلا مستقبل لنا من دون معرفة حقيقة تاريخنا وفهمه وهضمه من أجل تصحيحه وعدم تكرار أخطائه، فحقا الأمر ليس من الرفاهيات التى يمكن تأجيلها، فنحن لا نعرف حقيقة ما جرى فى أهم الأحداث التى شهدناها فى تاريخنا الحديث، لا نعرف ماذا جرى بعد يوليو ١٩٥٢ ولماذا استبعدت ثورة يوليو أحداث ثورة ١٩١٩، بل لا نعرف ماذا فعل وقال احمد عرابى، نحن لا نعرف لماذا ذهبنا لليمن وماذا فعلنا هناك، وما هى القصة الحقيقية لنكسة ١٩٦٧، وما هى حقيقة ثورة التصحيح فى مايو ١٩٧١، أما المصيبة الحقيقية، فإن ثورة يناير ٢٠١١ باتت أحداثها فى مهب الريح وسط الاستقطاب الحاصل الآن، فحتى حقيقة هذه الثورة هناك من يغتالها الآن ويرغب فى تزييفها وإعادة صياغتها وفقا لأهوائه، وهذه الجريمة لن يسامح فيها أحد لأنها حزء من حاضر واضح لكثيرين نزلوا بالتاريخ للشارع، وكتبوه فى الميادين بأنفسهم وبدماء أبنائهم وآبائهم وأشقائهم وأصدقائهم، فلن تستطيع الجماعة استغلاله للخروج من مأزقها ولا يمكن للثورة المضادة محوه أو حتى تشويهه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *