عمرو خفاجى يكتب | العقل الغائب
لا أعرف لماذا تقف الدولة المصرية، عاجزة عن مواجهة معظم ما يواجهها من مشكلات، وكأنها لا تملك لذلك سبيلا، أو أن ذلك لا يعنيها وليس من مهامها ومسئولياتها، الدولة تستيقظ كل صباح لتسيير الأمور وللتعامل مع كل ما هو عادى وتقليدى من عمل، تفعل ذلك برتابة وبآلية ميكانيكية، أما عندما يخرج الأمر عن ذلك المألوف، فتشعر أن أطراف الحكومة وجهازها الإدارى قد أصيب بالشلل، ويظل فى انتظار آخر مجهول يبدو أنه المسئول عن مواجهة الأزمات والطوارئ، وهذا المجهول، لم نعثر عليه أو نجده منذ عدة سنوات، لذا تتفاقم المشكلات وتتراكم دون أن يتدخل أحد لمواجهتها والبحث لها عن حلول.
للإنصاف، كانت حكومات ما قبل الثورة، وأجهزة الدولة التنفيذية، تفعل الأمر ذاته، تقوم بالمهام العادية والتقليدية، ولا تملك من أمرها شيئا، الفارق الوحيد أن ذلك المجهول كان فى غاية النشاط والحضور، فحينما تنشأ الأزمة وتتفاقم، تظهور الحلول والتصرفات السريعة والعاجلة، وغالبا ما تكون الحلول ذكية ومرضية لأطراف الأزمة، ودائما لم نكن نعرف من فعل ذلك، ومن تصرف فى الأمر ومن أوجد الحل وتصدى للأزمة، المهم أن الأزمة ترحل وتغادرنا على الفور، ولسنا فى حاجة أيضا للإشارة إلى أن الحكومات المصرية، كانت فنية لأقصى درجة، لا تعمل بالسياسة ولا تنشغل بها، وغالبا لا تفهمها، وكانت الحكومات تتشكل من شخصيات لم تمارس العمل السباسى من قبل، لذا كانت أجهزة الدولة، أجهزة إدارية بليدة لا تمتلك أى خيال على المستويين التقنى والسياسى، وكل ما تمارسه هو الدارج والمعتاد من أمور الدولة.
أذكر مثلا، أنه فى أزمة الصحافة الشهيرة فى منتصف التسعينيات، كادت الأمور أن تتخطى جميع الحواجز وتقفز من الحافة فى وجه النظام، وبين عشية وضحاها، وجدنا أنفسنا وقد امتلكنا كل شىء بين أيدينا ومرت الأزمة على النظام فى سلام تام، وهذا بالضبط ما يفعله ذلك المجهول، حتى فى حالات الحلول غير المرضية، مثل مأساة العبارة، هناك من تدخل لتهدئة كل شىء والبحث عن حلول لأسر الضحايا، ولحصار غضب المجتمع، بالرغم من أن النظام كان شبه متورط فى صناعة المأساة، لكن تشعر دوما بأن هناك من يتحرك ويبحث عن الحل بعيدا عن أذرع الدولة العاجزة.
من كان يوجد الحلول، والغائب حاليا، غالبا هو عقل من عقول الدولة، ومن المرجح أن هذا العقل مؤسسة أو أكثر، أى أنه عقل جمعى يهدف لوأد الأزمات، يتحرك بدون تعليمات، ويساعد النظام العاجز فى الخروج من الأزمة، والأكيد أن هذا العقل ضرورة، طبعا لا يليق بنا بعد كل هذه الموجات الثورية أن يكون هذا العقل سريا ومختفيا وبعيدا عن أجهزة الدولة، بل من الواجب إيجاد هذا العقل داخل السلطة التنفيذية الموكل لها التصرف فى مواجهة الأزمات، وأن يعاد تصميم الجهاز التنفيذى، بحيث لا يكون عاجزا عن أداء جميع المهام ومواجهة سائر المشكلات، لأن بداية التغيير الحقيقية، أن يكون العقل والعضلات، معا، ضمن سيطرة صانع القرار، وتابعين له، فغياب العقل كما نرى الآن ترك الساحة للعضلات، التى كادت تحطم كل شىء.. حتى نفسها.