أتابع باهتمام، ما أعتقد أنه عمل مهم من أجل تطور وتقدم الدولة المصرية، وقد سعدت حقا بما سمعت حول ما سمته رئاسة الجمهورية دخول مصر عصر الفضاء، عبر تصريحات متكررة لمستشار الرئيس العلمى الدكتور عصام حجى، الذى أكد أكثر من مرة أن هناك مخططا لاجتماع قريب لمناقشة الأمر مع كبار العلماء وأساتذة هذا المجال، وهى دعوة تأتى فى ظل إقرار لجنة الخمسين لمواد بالدستور تشرع لأهمية البحث العلمى وتخصص له نسبة لا بأس بها (مبدئيا) من الميزانية العامة للدولة، لكن المؤسف أن غالبية ردود الفعل كانت سلبية وساخرة من الفكرة، على اعتبار أننا غير قادرين على العمل فى الأرض فكيف سنعمل فى الفضاء.
الذى لا يعلمه الكثيرون، أن مصر بالفعل لديها مركز لبحوث الفضاء وهيئة للإشراف على المشروعات التابعة له، وأن علوم الفضاء هذه، ليس كما يعتقد البعض، أنها من أجل الصعود للقمر أو استكشاف ما يحدث خارج الكرة الأرضية، إنما الأمر ببساطة شديدة، استخدام هذه العلوم فى عمليات التنمية، مثل مشروع ممر التنمية الذى كان يتحدث عنه فاروق الباز علم الفضاء المصرى الشهير، كما أن هذه العلوم، هى فى مقدمة العلوم القادرة على تطوير النشاط الزراعى، إلى جانب استخداماتها الهائلة فى مجال الاتصالات، ومصر منذ عام ٢٠٠٠ تملك بالفعل عدة أقمار تستخدم حاليا بنجاح فى مجالات البث التليفزيونى، وإن كانت مصر قد اشترته ولم تشارك فى خبرات تصنيعه.
أما القصة الحزينة التى اكتشفتها، ومن الواضح أننا نتحاشى الحديث عنها، هى قصة القمر البحثى المصرى «إيجبت سات 1» الذى أطلقته مصر بالتعاون مع أوكرانيا عام ٢٠٠٧، لاستخدامه فى مجالات البحث العلمى وتطبيقات التكنولوجيا، وهذا القمر فقدنا الاتصال به عام ٢٠١٠، وحتى هذه اللحظة لم تفهم مصر ماذا حدث ولماذا، وهذا ليس هو المحزن فى الأمر، فالمحزن أنه كان لدينا ما يقرب من ٨٥ عالما شاركوا فى صناعة هذا القمر وتدربوا على استخدامه فى عمليات التنمية، ثم توقف المشروع تماما، ولا يعلم أحد أين ذهب هؤلاء، وكل ما استطعت الوصول إليه، أن أحدهم يعمل حاليا فى فرنسا بمشروعات مشابهة، وآخرين استعانت بهما أوكرانيا فى تطوير مشروعاتها الفضائية، بينما توقف العمل فى هيئة البحوث الفضائية المصرية تماما.
الأكثر حزنا فى قصة الفضاء فى مصر، أنه حينما كانت مصر تستعد لإطلاق هذا القمر البحثى «إيجبت سات 1»، من كازاخستان بعد أن صنعت صاروخا لإطلاقه، طلب وزير مصرى من العاملين فى برنامج الفضاء، تخزين القمر وتأجيل الإطلاق، فرفض السادة العلماء وقالوا هذه ليست «بطاطس» لنخزنها، وتم تصعيد الأمر لرئاسة الدولة التى اكتشفت أن الوزير اتفق مع ألمانيا لإعطائهم الصاروخ لاستخدامه فى مشروع لديهم، على أن يمنحوا مصر صاروخا آخر بعد ستة أشهر، صحيح أن الدولة أوقفت الاتفاق، وانطلق قمرنا فى موعده، لكن بقيت عقول وضمائر البعض منا، لا تفرق بين الفضاء و«البطاطس».