ربما لم تشهد منطقة الشرق الأوسط ارتباكا مثل الذى تشهده الآن، وربما لم تواجه مصر تحديا فى الإقليم مثل التحدى الذى تواجهه حاليا، فما يحدث فى العراق غير بعيد عنا، والأزمة أن صورته لم تتضح بعد، وإلى أين تسير، وكان غلاف «تايم» الأمريكية مرعبا حقا وهى تضع صورة لخريطة العراق وقد أمسكت النيران فى أطرافها، وكأنها بدأت فى الاحتراق، وتوسطت الخريطة عبارة واحدة مفزعة «نهاية العراق»، وأعتقد أن هذا ما يجب أن تلتفت إليه مصر جيدا، خاصة فى ظل صعوبات التعامل مع الأزمة.. جماعات متطرفة تحمل السلاح، بعضها معروف مثل «داعش» وكثير منها مجهول لا نعلم عنه سوى القليل جدا من البيانات والخلفيات الفكرية والسياسية (مثل الطريقة النقشبندية)، وحكومة طائفية بامتياز، لا يمكن الركون إليها فى أى بناء لعلاقات حالية مع هذه الدولة، خاصة أن هناك مواقف متناقضة متناثرة حول الأزمة العراقية، ما بين دعم سعودى وقطرى للمهاجمين، وتعضيد من إيران للسلطة الحالية وحيرة أمريكية ودولية بشأن القصة برمتها.
هذا التحدى ليس هو التحدى الوحيد الذى تواجهه مصر فى الإقليم، فهناك الأزمة السورية، والتأزم اللبنانى، وغياب الدولة فى ليبيا، وتوتر فلسطينى، وحدود مع السودان تسمح بتسلل الأسلحة والأفراد، يضاف إليها أزمة سد النهضة، فتظهر أمامنا مأساة متكاملة لما يهددنا فى الجوار الإقليمى، يحدث هذا فى لحظة تحاول فيها مصر بناء نظام جديد، أو على الأقل، تحاول فيها استعادة مكانتها ودورها، اللذين غابا طويلا عنا، وبدأت حاجة حقيقية وماسة لوجودهما، ليس من أجلنا فقط، ولكن من أجل بعض دول وشعوب المنطقة أيضا، وهو ما يسميه الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية والمفكر القومى الكبير، أن الظروف فى الإقليم تتحرك صوب ضرورة دور مصرى فعال متحرك، دون أن يعنى ذلك التحركات العسكرية، وإن لم يستبعد استخدام ما للقوة الصلبة، حتى لو استخدام رمزى يحمل من الدلالات ما يكفى لإعادة الاتزان للدور المصرى والتوازن للمنطقة.
هذا التحدى الإقليمى يخرج علينا ومصر ليست فى أفضل أحوالها، فأمامها تحديات داخلية كبيرة، وهو ما يعوق التفرغ له ومنحه الكثير من الجهد، ورغم الدور الداخلى الشاق الذى يجب أن يبذله النظام الجديد، فلا يمكن أبدا تجاهل ما يدور من حولنا لأنه شديد الارتباط بنا، وربما هى المرة الأولى فى تاريخنا المعاصر الذى يكون فيه الإقليم مهددا لاستقرارنا وهو ما يفرض علينا ضرورة المواجهة، وإذا كانت مصر تسير خارجيا وفق ثوابت لم تحد عنها إبدا أعتقد أن الوقت حان لإعادة صياغة مفهوم الأمن القومى لمصر وسياستها الخارجية بشكل عام، وأصبحت السياسات البالية التى انتهجها نظام مبارك لا تناسب ما يحدث من حولنا، مع كامل إدراكنا من صعوبة وتعقيد المشهد، خاصة وأنه مازال فى البدايات وأظن أن هناك أسوأ كثير قادم فى الطريق وغالبا سيكون مؤثرا فى مشهدنا الداخلى، وبالتالى لابد ان تكون تحركاتنا سريعة قبل أن يقع ما لا يسرنا، وأظن أن مصر تملك حلولا واقعية لدرء الأخطار عنها، المهم أن نبدأ المواجهة.