عمرو خفاجى يكتب | تشويه بعلم الجميع
مع صدور قانون الانتخابات الرئاسية، والبدء الفعلى فى الاستعدادات لإجرائها، لم يتضح حتى هذه اللحظة من ملامح هذه المعركة، سوى عنوان وحيد مكرر منذ عدة أشهر حول الحكم المدنى والحكم العسكرى، فى ظل وجود أربعة مرشحين محتملين، اثنان ينتميان للمؤسسة العسكرية، واثنان ينتميان لقوى اليسار خاضا من قبل معركة الانتخابات الرئاسية فى عام ٢٠١٢، دون أن تظهر فى الأفق أية أسماء أخرى انتوت الترشح، وتقريبا اختفت كل الأحزاب من هذه المعركة، سواء الأحزاب التى ظهرت بعد الثورة، مثل المصرى الديمقراطى الاجتماعى والمصريين الأحرار، والدستور، أو الأحزاب القديمة المتواجدة على الساحة منذ عشرات السنين، مثل الوفد والتجمع، حتى أن أحد المرشحين المحتملين (حمدين صباحى) والذى أسس وترأس حزبا قبل الثورة ( حزب الكرامة ) لن يخوض المعركة تحت لواء حزبه، بل سيخوضها بدعم من تيار سياسى جامع (التيار الشعبى)، بما يكشف بجلاء ضعف الحالة الحزبية المدنية، التى تتحدث فقط عن رفضها لما تسميه حكم العسكر، دون أن تفعل شيئا حقيقيا وسط الجماهير، أو تتحرك أبعد من القاعات المغلقة فى العاصمة المكتظة دوما بكاميرات التليفزيون.
فى أعقاب الثورة، أى منذ ثلاث سنوات، كانت القوى المدنية تطالب بتأجيل الانتخابات لعام أو عامين، حتى تكون قد طرحت نفسها للمجال العام، وروجت لأفكارها وطرحت برامجها، وها هى الأحزاب موجودة منذ ثلاث سنوات، دون أن نرى تقدما ملموسا أو احتكاكا حقيقيا بالجماهير، رغم الحراك السياسى الذى شهدته البلاد فى السنوات الماضية، وأن تأتى الانتخابات الرئاسية دون وجود لهذه الأحزاب، خاصة الأحزاب القديمة، فهذا يعنى أنها قوى سياسية لا تملك تواصلا فعالا مع الجماهير، بالإضافة إلى أنها غير قادرة على طرح أفكار ورؤى تحقق مطالب الشارع، ناهيك عن عدم قدرتها على فرز رموز يمكن أن يلتفت إليها المواطن ويسير خلفها ويدعمها ويدفعها لسدة الحكم لتحقيق مطالبه.
طبعا من السهل تفهم اندفاع الجماهير نحو تأييد رجل مثل عبدالفتاح السيسى، فى ظل وجود عنف ممنهج، كشف الرجل عن قدرته على مواجهته، أو على الأقل رغبته فى دحره، وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، رغم أن الرجل بحكم منصبه، لم يطرح نفسه فعليا للجماهير حتى هذه اللحظة، لذا بدا واضحا أن الجماهير هى صاحبة الرغبة فى ترشحه، وهو ما نفهمه فى إطار غياب رموز القوى السياسية الأخرى، خاصة استقالة شخصية مثل محمد البرادعى من منصبه ( نائب رئيس جمهورية ) فى توقيت حساس، وهو أمر كان يمكن قبوله وتفهمه على المستوى السياسى، أما سفره خارج البلاد وبعده كليا عن الساحة السياسية، أحبط الغالبية من جماهيره وأنصاره، ورفع أسهم من بقى ومن واجه اللحظة القاسية واجتهد للخروج من المأزق الصعب الذى واجهته البلاد، أيا كانت الرؤى تجاه ما حدث.
ورغم كل ذلك، مازالت الفرصة سانحة للساسة، فى كشف ما لديهم من أفكار وبرامج، فالمعركة لم تبدأ بعد، وهى أيضا ليست محسومة كما يعتقد البعض، إلا إذا كانت قناعة القوى السياسية أنها لا تملك ما تستطيع أن تقدمه للناخبين، وأنها فعلا بلا قواعد جماهيرية، وبالتالى تبقى معركتها على هامش المعركة الأصلية، معارك تستطيع أن تحقق فيها انتصارات، مثل إعلان رفض حكم العسكر، أو الكلام عن الديمقراطية، أو الاعتراض على القوانين، أما المعارك الكبرى فمن الواضح أن الأحزاب والقوى السياسية لم تستعد بعد لها، ولم تعمل من أجلها، وأنه مازال أمامنا الكثير حتى تصبح لنا حياة سياسية صحية، بدلا من تلك المشوهة التى ينتقدها الآن كل من شارك فى صنعها.