أعتقد أنه حتى تاريخه، لم يفهم أصحاب الرغبة فى السلطة، أو من فيها مؤقتا، النتائج التى ترتبت على ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، بل إن البعض ينكرها تماما، وينسفها من الأساس ويعتبرها مؤامرة، والغريب أن هذا القطاع لا يخجل من ذلك ويجاهر به وهذا هو مكمن الخطر عليهم، وللأسف علينا أيضا، فقبل ٢٥ يناير لم يكن الشعب موجودا فى أية معادلات سياسية، أو حتى على هوامشها، وبالتالى لم تكن طلباته تدخل فى نطاق حسابات صانع القرار، ولم تكن حياته الصعبة الشاقة موضوع للنقاش عند أولى الأمر، فقط اختار النظام البعض ممن استأنسهم بعناية ليقوموا بأدوار المعارضة، بما فيهم أعضاء من جماعة الإخوان، وآخرون يصرخون الآن بأعلى صوتهم محتجين على كل شىء بفجر وتبجح غريبين، وجميعهم ــ النظام ومعارضته ــ لم يكن الشعب يشغل بالهم، ولم تكن حياته البائسة، أمنيا وتعليميا وصحيا تؤرقهم، فقط شىء ما يشبه الصراع مع السلطة والنظام لكنه كان محسوبا بدقة، ومتفقا على خطوطه وحدوده، ولا أعتقد أن أحد قد نسى الاحتفاءات بمبارك ووصفه بأنه والد لكل المصريين، والخلاف والمعارضة والهجوم، دائما بعيد عن مبارك وسياساته وخطاباته وتصرفاته، أما الباقون (من السيد رئيس الوزراء وأنت نازل) لا مانع أبدا من مهاجمته وسبه وشتمه، بل كان من المحبذ فعل ذلك أحيانا.
فى زمن مبارك، كان الصراع شكليا، وفوقيا، ولا علاقة له بالجماهير، حتى المعارضة الحقيقية، مثل كفاية وغيرها والتى كانت كفرت بالأحزاب، بما فيها الأحزاب التى أسسوها (وهو وضع غريب لم نفهمه حتى الآن)، كانت حركات نخب وقيادات أكثر منها حركات شعب وجماهير، وكانت الاعتراضات اعتراضات صفوة حتى لو كان استعملت بعض المفردات والدلالات التى تخص الجماهير، الجماهير التى كان قد بدا أنها استكانت وركنت لمصيرها المحتوم غى ظل نظام سلطوى قرر الاحتفاظ بالثروة وخطفها بعيدا عنهم، لذا يبقى استمرار ذلك حتى هذه اللحظة، ليس فقط خيانة للثورة وجماهيرها، وإنما غباء وعدم فهم لما جرى فى يناير ٢٠١١، ولما حدث فى يونيو ٢٠١٣، ومن الواضح أنهم ينتظرون تاريخا ثالثا، ليتأكدوا أن الشعب فعلا يطلب المشاركة، ويرغب فى إعادة توزيع الثروة، والسلطة أيضا. عبر السنوات الماضية، اعتقد البعض أنه من الممكن خداع الجماهير بفكرة التصويت على كل شىء، باعتبار أن المشكلة فقط، قبل الثورة، كانت فى عدم تمكين الشعب من التصويت، وعلى اعتبار أن التصويت هو كل الديمقراطية وكل الحرية وكل المطلوب، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق، فوجود الشعب فى المعادلة السياسية، يعنى أكثر بكثير من التصويت، فهناك فارق ضخم فى بناء نموذج تنمية يستهدف كل الشعب، أو نموذج تنمية تستفيد منه طبقة بعينها غالبة ما تكون متحالفة مع السلطة أو شريكة لها، ولا يخفى على أحد أن ذلك من أسباب إندلاع الثورة الأساسية، فلماذا يتجاهلها الجميع، ولماذا لم نسمع بعد، عن نموذج التنمية الذى ستذهب إليه مصر، ريما تكون هناك اشتباكات سياسية وخلافلات أيدولوجية، لكنها تبقى مجرد إطار لحقيقة الأزمة فى نهب الثروة وخطفها بعيدا عن أصحابها الأصليين.