مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب | «خالٍ من الحزب الوطنى»

عمرو-خفاجى

من أهم وأخطر ما أثير أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، ولفت الانتباه، ما نستطيع أن نطلق عليه بداية تسرب رجالات الحزب الوطنى للمشهد السياسى، وإن كان هذا التسرب لم يقترب من واجهة المشهد حتى الآن، لكنه أعاد من جديد طرح الأسئلة المتعلقة بالماضى، ومخاوف انقضاض النظام القديم على النظام الذى تتم ولادته فى هذه اللحظات، والذى سيتحدد شكله خلال أيام قليلة، وربما لم يكن تواجد الحزب الوطنى فى القاهرة والمدن الكبرى غير محسوس أو ظاهر، على العكس تماما من مدن الأقاليم سواء فى الدلتا أو فى الصعيد، حيث أعلن من ينتمون للحزب الوطنى أنهم رجال حملة المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى، كما أعلن غالبيتهم أنهم يستعدون لانتخابات البرلمان التى صارت قاب قوسين أو أدنى، وعودة ظهور هؤلاء تحديدا كانت فى مقدمة أسباب عزوف الكثيرين عن المشاركة بالتصويت فى الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعنى ضمنا، أن الثابت الوحيد فى المعادلة السياسية المصرية هو رفض عودة الحزب الوطنى وسياساته، بنفس قدر رفض تواجد الإخوان المسلمين، وأن الجماهير فعلا ترغب فى التغيير وفقا لما نادت به ثورتهم.

من المؤكد أن هناك استحالة فى استعادة الحزب الوطنى أو سياساته، على الأقل كما كانت قبل الثورة، وفى أسوأ الاحتمالات، فإن عودة الحزب أو استرجاع نظام مبارك، لن يكون بالشروط ذاتها والجميع يفهم ذلك، لذا يذهب غالبية المحللين فى توصيف أحد خيارات النطام الجديد بأنه نظام مبارك المحسن، فالثورة كانت قاطعة وحاسمة بشأنه، لكن تحسين نطام مبارك، أيا كانت درجة تحسينه، هو ردة واضحة على ثورة يناير وأمر لا يمكن قبوله أو السماح به، وهو يختلف جذريا عن فكرة عدم معاقبة هذا الحزب أو عزله، خصوصا الذين لم يشغلوا مواقع قيادية به، فالسماحة معهم لا تعنى أبدا السماح لهم بالمشاركة فى الحكم مجددا، لذا كان موقفهم شديد الغموض بالإصرار على التواجد بالحملة الرئاسية للسيسى، والذى ألمح أكثر من مرة، أنه لا عودة للوراء ولا مكان لمن أفسد قبل الثورة، لكن بكل صراحة، هذه النوعية من التصريحات لا تكفى أبدا لطمأنة كل الحالمين بالتغيير وباختفاء الوجوه التى أوجعتهم وآلمتهم كثيرا قبل يناير ٢٠١١.

لا يمكن ونحن نتحدث عن بناء نظام جديد، أن نتحدث عن وجود حزب قامت عليه ثورة، عليه وعلى سياساته وقياداته، وهناك فارق صخم بين شخصيات شاركت فى الحكم بشكل أو بآخر وكانت فوق مستوى الشبهات وكانت حقا تعمل بدافع وطنى مخلص وتم نسبها لهذا الحزب دون أن يكون ذلك مكتملا، وشخصيات كانت هى العقل المفكر والمدبر لكل ما ارتكبه هذا الحزب من جرائم فى حق هذا الشعب، ومع ذلك، يكون من الأرجح والأوفق، أن يتم استبعاد كل من كان ذا صلة قوية بهذا الحزب فى المرحلة المقبلة، إذا ما كانت قيادة التطام الجديد جادة حقا فى التغيير، وصادقة فى الانحياز لهذا الشعب، فما لاحظناه وراقبناه خلال الشهور الماضية يكشف بما لا يدع مجالا للشك، أن الحزب الوطنى مازال عنوانا لفساد ما قبل الثورة، وأن هناك ما يشبه الإجماع فى ضرورة إقصائه عن أى عمل فى المرحلة المقبلة، إلا إذا كان حقا هناك من يرى أن يناير لم تكن ثورة، وأن يونيو كانت ثورة على الثورة، ونفى ذلك لن يتأتى بالتصريحات ولكن باتخاذ القرارات واختيار القيادات التى ستحكمنا فى قادم الأيام، وهذا هو أول الاختبارات.. فلنرَ.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *