حقيقة، لا أفهم المعركة الدائمة حول نسبة تمثيل العمال والفلاحين فى مجلس الشعب، وبصراحة شديدة أراها معركة غريبة ومزيفة ومفتعلة، على أكثر من جانب، وهى معركة متكررة ومكرورة منذ سنوات طويلة، وجميع الأطراف يعلمون جيدا، انها معركة وهمية، لأن هذه النسبة (٥٠ ٪) لم تستطع يوما ان تجعل نصف البرلمان أو مجلس الشورى، من العمال والفلاحين بالفعل، فسواء كانت هذه النسبة موجودة أو غير موجودة، فهؤلاء غير موجودين، كما لم يتواجد لدينا فى أى برلمان من يدافع حقا عن العمال والفلاحين، وبعد ما يقرب من نصف قرن من الزمان على إقرار هذه النسبة، بدأت حقوق العمال والفلاحين فى التلاشى والاختفاء، لأننا جميعا نعرف ونعلم تمام العلم ان غالبية من كانوا يصلون للمجالس النيابية ويحملون صفات العمال والفلاحين ليسوا كذلك، وعلى رءوس الأشهاد رأينا لواءات شرطة ومحامين ومهندسين وصحفيين وحتى رجال أعمال، وغيرهم الكثير من فئات المجتمع، يترشحون على مقاعد العمال والفلاحين، ومن المفترض انهم ممثلوهم، فلماذا تدور المعارك والخلافات حول هذه النسب، إلا إذا كان ذلك من باب المزايدات أمام جماهير العمال والفلاحين، وكأن القصة جادة، وكأننا فعلا ندافع عن مصالح هؤلاء.
حينما تم تمييز العمال والفلاحين، تمييزا إيجابيا فى الدساتير المصرية، كانت مصر خارجة للتو من سحق هذه الفئات، التى كانت مهمشة بالفعل فى سنوات ما قبل ١٩٥٢، وكانت تحتاج من يساندها للتواجد فى المجتمع بما يتناسب مع حجمها وتواجدها فى الحياة المصرية، أيضا كانت هذه الفئات تحتاج للتعبير عن نفسها، وعن مطالبها عند جهات التشريع، والأهم أن من كانوا يصلون للبرلمان فى ذلك الوقت، كانوا بالفعل عمالا وفلاحين، الفكرة كانت طيبة ونبيلة، وكان من المفترض، ان تكون مؤقتة وليست دائمة، وغالبا هذه فلسفة تشريعات التمييز الإيجابى كما حدثت فى بلدان عديدة، ولكن ككل شيء فى مصر، باتت النسبة دائمة ومن المقدسات والمكاسب التى لا يمكن المساس بها، أو حتى مجرد التفكير فى تعديلها أو إلغائها كما نرى الآن، وعبر سنوات طويلة نجحت قوى بعينها فى ربط نسب تمثيل العمال والفلاحين فى المجالس النيابية بثورة يوليو، وبالتالى منحوا هذه النسبة حماية فائقة حتى إن المشير طنطاوى قال أثناء مناقشات استفتاء مارس ٢٠١١، انه لا يمكن أن يكون الرجل الذى يعبث بمكتسبات ثورة يوليو.
المشكلة الحقيقية، أننا لا نريد أن نناقش قضايانا الحقيقية، ولا نريد أن نواجه أزماتنا، ومازلنا نستمرئ الضحك على أنفسنا، مع تقديس حقيقى للشعارات، خلال أكثر من ثلاثين عاما لم نفلح فى ضبط وتوصيف العامل أو الفلاح، كما لم نحرص أن يكون لهم تمثيلا حقيقيا فى حياتنا النيابية، وبنينا صرحا للخديعة اسمه ٥٠ ٪ على الأقل للعمال والفلاحين بينما نحن نطردهم بالفعل من متن حياتنا بشكل عام، ومازلنا حتى هذه اللحظة نتبنى هذه الأكاذيب ونصدقها، وندافع عنها وكأنه مسألة حياة أو موت، وما كان يحدث قبل ثلاثين عاما، مازال يحدث وبنفس الكيفية، ولذات الأهداف والأغراض، ولحساب الذين روجوا لذلك كثيرا وطويلا، ومن الواضح أن مشروعهم ناجح وناجع حتى الآن ونحن لا نفعل سوى التصفيق لهم والتهليل لمشروعاتهم الخادعة لمصالحنا الحقيقية، حتى لو كنا نعتقد أننا نفعل غير ذلك.