وبما أن اليوم هو اليوم الأخير من هذا العام المنفلت على جميع الأصعدة، حاولت حصاره من أجل التعبير عنه فيما يشبه كشف الحساب، حاولت البحث عن الرابحين والخاسرين، رصدت حضور وغياب القادة والسياسيين، تتبعت خطى من كان يحكم، رصدت أداء القوى السياسية الإسلامية، فتشت عن تطور القوى المدنية، حاولت قراءة ما كان يدور قبل الثلاثين من يونيو، ذهبت مع خارطة الطريق فى خطواتها الأولى، وطبعا سألت عن تحول مرسى من رئيس إلى حبيس، ولماذا انهار مشروع الإخوان، وكيف أعاد الجيش مصر إلى مسارها، كما استفهمت عن سر اختفاء ثورة يناير، واكتشفت فى النهاية، أن هذا العام مثل أعوام كثيرة أفلتت من بين يدى مصر دون أن تستفيد منه، فقط تفقد الكثير من رصيدها الحضارى، وأرصدتها الاستراتيجية، دون أن تضيف أى شىء عبر هذا العام لملفات إنجازاتها، وهى بالمناسبة كبيرة وكثيرة، حتى فى تاريخها المعاصر.
فرغم كل ما حدث، وما شهدته مصر خلال العام ٢٠١٣، فإن الحسابات الختامية التى لا تعتد بالتفاصيل، لا تكشف عن أى جديد، فليس صحيحا أن الاستقطاب ابن هذا العام، أو أن الإقصاء إحدى نتائجه، ولا التراجع الاقتصادى وليد ظروف الأحداث المجنونة التى احتضنها العام ٢٠١٣، فالشجاعة تقتضى أن نقول إن كل ذلك تمت ولادته أمام أعين الجميع منذ مارس ٢٠١١، وأى محاولات لاتهام هذا العام بذلك هو محض تدليس وافتراء، فنحن باختصار نجنى ما زرعناه فى أعقاب ثورة يناير، ونحصد حصرم الثورة التى بددناها بأنفسنا، ومن يدقق فى تفاصيل العام، أيا كانت زاوية تدقيقه، سيكتشف بسهولة أن جزءا كبيرا من الجنون الحاصل، يرجع أولا لعدم كفاءة وقدرة من كانت فى يديهم الأمور، وما زلنا حتى الآن نعانى من عدم كفاءة هؤلاء القادة، وفى مقدمة هؤلاء قادة جماعة قررت أن تحكم البلاد منفردة، من دون مساندة أو معاضدة، فآذت نفسها وآذتنا معها دون مبررات حقيقية لتدخلنا فى دائرة جهنمية مكررة ومكرورة، تعرفنا عليها من قبل، حيث أفلتت منا أعوام بلا تقدم أو إنجاز، بدعوى الإنشغال بمواجهة الإرهاب.
فكرة أن السنوات تفلت من بين أيدينا، فكرة حزينة ومهزومة، لكنها حقيقة وواقع نعيشه منذ سنوات طويلة، ربما ما يؤلم فى هذا العام، إنه ينتمى لسنوات تحمل عنوان ثورة نبيلة، والثورة براء من كل ما حدث هذا العام، ويحدث حتى أمتاره الأخيره، فإذا ذهبنا لتفقد حال الذين استهدفتهم الثورة من بسطاء هذا الوطن، سنجد أنهم الأكثر نزفا للدم وفقدا للأمن، هؤلاء كانوا فى مقدمة ضحايا العام، وحتى إذا افترضنا أن الكل خاسر، فهؤلاء البسطاء كانوا الأكثر خسارة، وكلما يمر عام، ويفلت من أيدينا دون أن نحقق أى منجز على أى صعيد لهم، فهذا يعنى أننا مستمرون بامتياز فى إفقار الفقراء وجذب المزيد من المواطنين لمناطق الفقر والفقر المدقع، وهذه حافة الخطر التى نحاول دوما عدم الانزلاق إليها، لكننا لم نفعل شيئا جادا من أجل إنقاذ الفقراء من فقرهم، أو للدقة من أجل إنقاذ أنفسنا أيضا، فعلى ما يبدو أننا لم نفهم بعد من أين يأتينا وجع القلب. وعلى أية حال كل عام وأنتم بخير.
المصدر جريدة الشروق