مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب | فوبيا النقابات

عمرو-خفاجى

فى ظل تصاعد أزمة الإضرابات والاحتجاجات العمالية، نجد أنفسنا مجددا متلبسين بالتفتيش عن النقابات والقيادات النقابية، وكل من نستطيع التفاوض معه من إجل تخفيف الاحتقان أو الوصول إلى حلول تهدئ الأوضاع وتخرج من حالة تعطيل العمل إلى زيادة الإنتاج، كما يقول غالبية المسئولين، وما نستطيع أن نرصده فى حالة هياج الإضرابات الشاملة والجزئية والاعتصامات، أن هناك غيابا كاملا للوسطاء بين العمال وإداراتهم، وتقريبا لا نسمع أصوات اللجان النقابية ومجالس النقابات العمالية إلا فيما ندر، سنجد كل ذلك فى مختلف الإضرابات، من المحلة وطنطا إلى الحديد والصلب والنقل العام، ومن إضرابات واعتصامات القطاع العام والحكومة، إلى قطاع الأعمال والقطاع الخاص، وغالبا تنتهى هذه الإضرابات والاعتصامات بحلول جزئية أو مؤقتة، وتبقى الأزمة بين الإدارة والعمال مؤجلة لحين انفجارها بعلم الجميع، إدارة وعمال، والرأى العام، دون أن تحاول الدولة الاجتهاد فى إيجاد سياسات تحل المشكلة من جذورها، ولا يبقى من أى أزمة عمالية، خاصة بعد ثورة يناير، سوى أن الأزمة كانت ضمن مؤامرة تستهدف تقويض السلطة وتعطيلها عن العمل والإنجاز.

فيما قبل ثورة يناير، كان النظام حريصا على وأد أى عمل نقابى حقيقى، وكان لا يتوقف عن محاولات السيطرة والهيمنة على كافة النقابات، وبالطبع فى مقدمتها النقابات العمالية، باعتبار أن النقابات هى مصدر الإزعاج الدائم للسلطة، ومن الغريب حقا، أن الأنظمة المتعاقبة لم تفكر يوما فى وجود حقيقى للنقابات للتفاوض وقت الأزمات، وقد نشأت النقابات تاريخيا فى لحظة صراعية للدفاع عن مصالح تم تجاهلها وتهميشها لكنها صارت بعدها بعقود وفى أحيان كثيرة تلعب دورا للقيام بالتلطيف بين العمال والملاك، ثم الوصول إلى حلول وصيغ مرضية للطرفين دون إهدار حقوق أى منها، ولنا فى أربعة أنحاء الدنيا نماذج وأمثلة توضح أهمية العمل النقابى فى السيطرة على المشكلات، بل، ومن دون مبالغة، الإسهام فى زيادة الإنتاج ونسب الربحية.

و إذا كان فكر الدولة المستبدة، والأنظمة الديكتاتورية، يميل للسيطرة على النقابات، على أساس أن هذه الدول وتلك الأنظمة، تهدف أولا وأخيرا لاستقرار الحاكم، أيا كان، ومنع أى محاولات لزعزعة حكمه، فماذا يمنع دولة تحررت من الاستبداد، وتخلصت من نظامها الديكتاتورى، أن تعود إلى أصل الفكرة وتدعم الحريات النقابية، بحثا عن راحتها وسهولة تحقيق مصالح مواطنيها، ويبقى من العجيب هذا التعنت من كافة من تولوا قيادة مصر بعد الثورة، الاستمرار فى شيطنة التنظيمات النقابية، ومحاربتها علنا، وتأجيل أى محاولات لولادة تنظيمات نقابية مستقلة، وعلى ما يبدو أن فوبيا النقابات مازالت حاضرة فى ذهن قيادات الحاضر، متأثرة بثقافة الماضى وبنظريته التى ثبت فشلها مرارا وتكرارا.

لماذا تخاف الدولة من النقابات؟ ولماذا يخاف أصحاب الأعمال من العمال وتنظيماتهم، إذا كان ذلك يحقق صالح الطرفين؟ وتصوروا الأمر ببساطة، تفاوض مع شخص أو اثنين أو حتى عشرة، وبقية العمال على ماكيناتهم، أم التفاوض تحت ضغوط تعطيل العمال وصراخ آلاف العمال، والتى تحيد عن الحق أحيانا بقوة دفع الجموع؟ بصراحة لا أفهم هذا الخوف من السماح بتنظيم النقابات المستقلة وترك العمال يبحثون عن مصالحهم، إلا إذا كانت الدولة فعلا وأصحاب الأعمال يأكلون حقوق من يعملون ولا يرغبون فى التنازل عن هذه الوجبة الشهية، وفى مثل هذه الأحوال، لا تنفع النصائح، ولا هذا النوع من الآراء، وكأن المقال لم يكن.

 

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *