مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب |  «فيروس» الاستقواء بالخارج

عمرو-خفاجىما يحدث الآن فى انتخابات نادى الأهلى وما حولها، هو بحق أمر جلل وخطير ويكشف عن نزعات متوحشة للاستقواء بالخارج فى معارك جانبية محلية صغيرة، فمنذ اللحظة الأولى وبعض أمراء هذا النادى يفكرون فى تعطيل العملية الانتخابية ومواجهة الوزير المسئول، وأعلنوها مواجهة صفرية لابد من الفوز بها وإكمالها بعيدا عن النادى ومصالح أعضائه، ولأنها معركة مصير فمنذ اللحظة الأولى ظهرت قصة اللجنة الأوليمبية الدولية، وحتى الخطاب الأخير للاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) الذى ينصح فيه مصر بعدم إجراء انتخابات الأندية حاليا ويدعو لاستمرار مجالس الإدارة التى تم حلها، حتى إصدار قانون جديد للرياضة، وبصراحة أنا لا أناقش مدى قانونية ذلك أو شرعيته، بقدر ما أرغب فى مناقشة فكرة الاستقواء بالخارج أو بالخواجة فى معركة داخلية تخص ناديا رياضيا، أولا وأخيرا، وهو أمر يكشف عن تفشى فيروسات عدم التفاهم الداخلى والرغبة المستمرة فى تحكيم آخرين لشئون حياتنا.

ما يحدث فى الأهلى، هو جزء من ثقافة دخيلة على الحياة المصرية، ثقافة باتت تكفر بما حولها وتشكك فيه، ولا تتورع عن اللجوء للخواجة لتحقيق مآربها، مثلما تابعنا كثيرا زيارات للاتحاد الأوروبى، ومنظمات حقوقية دولية، بل دول بحالها ومالها، كنا نحاول أن نتفهم لجوء بعض الساسة لذلك، فإذا بالرياضة تكشف لنا حقيقة هذا التحول، وعجزنا الكامل عن إدارة ما يخصنا أو نعتقد أنه شأن داخلى، حتى لو كان مرتبطا، بصورة أى بأخرى، بمنظمات أو هيئات دولية، بدليل أننا لم نعرف من قبل علاقة الفيفا بلوائح الأندية فى بلادنا، كما أننا لم نسمع من قبل انشغال الاتحاد الدولى لكرة القدم بنادى «الزهور» حتى يأتى ضمن خطاب الفيفا فى نصيحته للاتحاد المصرى، طبعا انتخابات الأهلى شأن مهم وينشغل به الكثيرون، لكن لا أعتقد أن انشغالهم هذا يجعلهم يرحبون بتدخلات الآخرين فى شئوننا بهذا الإصرار والعنف فى شأن نعتقد أنه يخصنا وحدنا.

أعتقد أن الذين يلجأون للخواجة لا يدركون مدى خطورة ما يفعلون، باستباحة إرادتنا أو حتى خلافتنا على مرأى ومسمع من المشهد الدولى، وبتمكين كامل لمنظمات وهيئات دولية، تقلص سيادتنا الحقيقية على ما يعنينا ويخصنا، وطبعا يشجع كل من يرغب فى العبث بمقدراتنا الداخلية باللهو فى كل ما نفعله، من أجل صياغة قدرته على التدخل وفقا لأهوائه ومصالحه، فالقضية فعلا أكبر من الأهلى وأهم من وزير الرياضة، وتؤثر على تشكيل الصورة الذهنية لبلد يرغب فى الاستقرار، فيبدو فى صورة المحتار المحتاج دوما لرعاية ونصائح الخارج، وأحيانا سلطته وقوانينه، التى لا تمارس وتفعّل إلا على الضعفاء من دول هذا الكوكب.

حينما تكون السياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان والسينما (مثل فيلم الميدان وحكايته مع الرقابة) والرياضة (مثل معركة الأهلى وطاهر أبوزيد)، رهن بتدخلات خارجية، فنحن فعلا على منحدر خطر، سيقوض أى محاولات للخروج من الأرض المهتزة التى نقف عليها الآن، وتزيد من صعوبة محاولات إعادة البناء وتماسك المجتمع، ولا سبيل لتصحيح الأوضاع إلا بالعودة لفرض سيادتنا بالكامل على كل ما يخصنا، وأن نتمسك بشرف الخصومة، وبأخلاق الاختلاف، ولا نفجر حين نتخاصم، فنأتى بالغريب لادارة تفاصيل حياتنا من السياسة والاقتصاد إلى الفن والرياضة، فلا وصف لما يفعله البعض، سوى السقوط فى كل شىء، حتى ولو ذهبنا جميعا للجحيم من أحل مصالحهم الصغيرة والضيقة، وغالبا هذه هى المشاهد التقليدية لحالة ما قبل السقوط.

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *