مجموعة سعودي القانونية

عمرو-خفاجى

غالبا ما تدور الأنظمة المصرية حول نفسها حينما تواجه مشكلة، وفى الغالب أيضا تنقب فى تاريخها كيف واجهت الأنظمة السابقة المشكلات الشبيهة، وتكون النتيجة فى النهاية أن يكون لدينا قانون جديد لا يختلف فى شىء عما سبقه، ولا يقدم للنظام أى حل حقيقى للمشكلة التى يواجهها، ودائما تشرع الأنظمة قوانين جديدة، تمتلك مثلها الكثير وهى فى واقع الأمر لن تضيف شيئا على أرض الواقع، والحكومة فعلت ذلك بإصدارها قانونا جديدا للتظاهر، بالرغم من أنها تمتلك العديد من المواد التى تمكنها من مواجهة التظاهرات غير السلمية، لكن الحكومة تركت أصل المشكلة بلا تشريع، وأصل المشكلة باختصار انتشار السلاح وامتلاكه بين فئات متعددة من المواطنين، سلاح يتم شهره فى وجه الدولة نفسها (الجيش والشرطة) كما يتم إشهاره أحيانا فى وجه المواطنين، ودائما يكون ضحايا هذه السلاح مواطنين مصريين بسطاء لا حول لهم ولا قوة.

أذكر أننى عندما شاهدت فيلم «بولينج من أجل كولمباين» للمخرج الأمريكى، مايكل مور والذى انطلقت شهرته مع هذا الفيلم، أدركت أن الولايات المتحدة أدركت عبر حادث مدرسة «كولمباين» أن الحرية فى امتلاك السلاح خطأ بات يهدد حياة الأمريكيين، ففى هذه الحادثة فقط سقط ما يقرب من ١٢ تلميذا، إلى جانب انتحار القاتلين بطلى المذبحة، الفيلم ناقش بجرأة قضية انتشار الأسلحة وحذر منها، كما ناقش الأبعاد غير المنظورة لهذه الظاهرة، وأعتقد أننا فى حاجة لذلك أيضا، فحمل السلاح صار مشهدا مألوفا، واستخدامه لم يعد حدثا غير عادى، واعتاد الصحفيون على كتابته فى أخبارهم وتغطياتهم، بينما لا يرغب أحد، حتى الآن، فى مواجهة الظاهرة والمطالبة بتشريعات حقيقية للقضاء عليها.

بصراحة، لم تكن الحكومة فى حاجة لإصدار قانون جديد للتظاهر، بقدر حاجتها لتشريعات جديدة تحد من انتشار السلاح واستخدامه، فهل يعقل أن تكون جريمة تصنيع السلاح مجرد جنحة، أو تكون أقصى عقوبة لحيازة السلاح بدون ترخيص السجن ثلاث سنوات، أو الغرامة بمبالغ مالية زهيدة، هذا ما كان يحتاج إلى تشريع جديد بالفعل، وتغليظ العقوبات فى حمل السلاح ضرورة للحفاظ على أمن وسلامة المجتمع، خاصة أن السلاح أصبح له سوق واسعة فى مصر، أقرب ما تكون للعلنية، وصار امتلاك السلاح، من باب الوجاهة الاجتماعية، تماما مثلما كان فى الصعيد قبل سنوات طويلة مرتبطا بهيبة وشرف العائلة، وقتها كنا نسخر منهم. نتهمهم بالجهل، وها نحن نفعل مثلهم تماما، وربما كان الفارق الوحيد أن «الصعايدة» كانوا يجيدون استخدام السلاح، ويعرفون وظائفه جيدا، وتوقيتات استخدامه، أما الآن، فقد أصبحت المسألة، خليطا من اللهو والاستهانة والقتل، دون أن يحقق حماية طلبها السادة حاملو السلاح.

الحكومة مطالبة بمحاصرة السلاح، وحصده، وتجريم تصنيعه وتجارته، وحينما ستطلب الحكومة ذلك، لن يعارضها أحد، بل أعتقد أنها ستجد مؤيدين لها وداعمين لقراراتها، ويجب أن تكون سلطات الدولة جادة فى هذا الأمر، فقد يصبح لدينا، خلال سنوات قليلة، جيل اعتاد على مشاهدة السلاح، وبعضهم جعل من السلاح هوايته ومتعته، وبالتالى سيكون من السهل بالنسبة لهم، حمله واستخدامه، وسيكون من الصعب على الدولة، ساعتها، أن تطارد هذا الأمر أو تقدر عليه، لأن الذين يستخدمون السلاح، عادة، لا يستطيعون التوقف عن حمله وعن استخدامه، وهذا ما خبرتنا به ثقافتنا المصرية، القادرة دوما على إضافة سلوكيات بسهولة لمنظومة عادتها، حتى لو كانت سلوكيات مرفوضة من ذات الثقافة، فهذه عادتنا ولن نشتريها كما يقول المثل الشهير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *