فى هدوء تام، أعلنت وزارة العدل عن انتهائها من إعداد مدونة سلوك للقضاة، وهى الآن تناقش مشروعات متعددة لهذه المدونة من أجل الوصول لصياغة نهائية لإقرارها، وكشف وزير العدل المستشار نير عثمان، أن العمل فى هذه المدونة بدأ منذ ثلاثة أشهر بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة بالقاهرة، وأن هذه المدونة تجمع بين العدالة والضوابط الحاكمة للمهنة لتكون مرجعا للقضاة أثناء عملهم. وقال وزير العدل، إن هذه المدونة خطوة على طريق تحقيق الاستقلال التام للقضاء فى عهد ديمقراطى جديد ومن أجل ضمان حماية الحقوق والحريات، والمساعدة فى الاستقرار والتنمية. ولا شك أن هذه خطوة ممتازة، طالبنا بها كثيرا، فلا إصلاح للمؤسسات الكبرى إلا من داخلها، وبإرادة القائمين عليها، ولا أعتقد أن هناك مؤسسة أهم من مؤسسة العدالة، لترسيخ أى قيم ديمقراطية حقيقية، ولإحساس المواطنين أن هناك حقوقا لا يمكن أن تهدر.
وإذا كنا نثمن هذه الخطوة، فلا مناص من أن نقول أيضا وبكل صراحة، أن هناك واجبا مماثلا يجب أن يقوم به المجلس الأعلى للقضاء، لإصلاح المؤسسة وتطويرها، والحفاظ على هيبتها، فهى المؤسسة التى يستريح لها الجميع، أى كانت الطروف، وحتى فى أشد الأوقات قتامة وعتامة، كان القضاء فقط هو من يقاوم ظلم النظام وقسوته، وكثيرا ما واجه السلطة من أجل إقرار العدالة، كما أننا لا نتصور أبدا، أى إصلاح أو تطوير لهذه المؤسسة بالذات، من خارجها، حتى لو من أعلى مستويات نظام الحكم، فإذا لم يقرر شيوخ القضاء بأنفسهم شكل وطريقة وخطوات الإصلاح نحو الحياد الكامل الذى نرجوه ونتمناه، لن يحدث الإصلاح، وبصراحة لا يمكن أن يرتاح المجتمع، ويستريح المواطنون، إلا فى ظل وجود قضاء محايد مستقل، ولا أتصور أبدا، إمكانية بناء نظام جديد، إلا والقضاء عموده الأساسى وضمانته الكبرى.
الشجاعة تقتضى أن نلفت الانتباه، إلى أن حال القضاء الآن، به الكثير من الملاحظات، بدءا من المبانى التى لا تعكس هيبته ولا مكانته، إلى إجراءاته التى صارت تتسم بالبطء الشديد، فبات الجميع يشكو من الظلم، وكل ذلك يدفع المواطنين لعدم الشعور بالرضا عن مؤسسات العدالة، وهذه الصورة الذهنية لا يمكن تغييرها أو تعديلها، إلا عبر القضاة أنفسهم، وأزيد بأن تلك مسئوليتهم ودورهم التاريخى فى هذه اللحظة الفارقة التى يتشكل فيها نظام جديد فى مصر، خاصة أن ميراث السياسات البغيضة والممارسات المقيتة، وكافة ملفات الفساد، بين أيدى القضاة الآن، بعد أن عجز الساسة باختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، عن حل أى معضلة أو مواجهة أى مشكلة، وألقوا بكامل العبء إلى ساحات المحاكم، فزاد ذلك من مهمتهم القاسية ودورهم الصعب، ومع ذلك أعتقد أن القضاة قادرون على قيادة مؤسسات المجتمع لطريق الإصلاح، أولا عبر تقديم نموذج يمكن أن يحتذى به، مثل مدونة السلوك التى عجز الإعلاميون، مثلا، عن إنجازها حتى الآن، وثانيا بالقانون الذى حانت لحظة سيادته على الجميع، ولا سبيل لنا فى ذلك، كما قال السيد المستشار وزير العدل، إلا عبر استقلال القضاء وحياديته.