أعتقد أن ما كان قبل الحادث الإرهابى الذى وقع فى المنصورة فى ساعة مبكرة من صباح أمس (الثلاثاء)، لن يكون بعده، وبالضرورة يجب أن يتغير كل شىء من جميع الأطراف، وبصراحة شديدة لم يعد الصمت ممكنا على كل ما يحدث ويقال، ولا تعتقد أى فئة أو قوى سياسية أن الأمر هذه المرة يمكن معالجته ببيان أو بتصريحات الشجب والاستنكار، أو أن ذلك يعفى البعض من مسئولية ما حدث، فنحن نعيش فى عنف وإرهاب حقيقى منذ عدة أشهر تحت لافتات كاذبة تشير إلى السلمية، وأعتقد أنه لن يصبح من المقبول التغاضى عما يحدث فى الشارع، فقد سبق هذا الحادث يأيام واقعة التمثيل بجثة الجندى وسحله فى رفح، كما شهدت نفس المدينة المنصورة، واقعة ذبح سائق التاكسى وإحراق سياراته، وحولهما عشرات الوقائع التى تؤكد إزدياد العنف والتحريض عليه علانية وبالصوت العالى، طبعا لا يمكن توجيه الاتهام لأحد، بهذه السهولة والبساطة التى يعتادها البعض، لكن فى الوقت ذاته يجب فهم موقف جميع الأطراف والقوى السياسية مما يحدث من عنف وإرهاب.
إن القوى السياسية المصرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أحزاب وحركات احتجاجية وطلاب، مطالبون بالعمل جديا للوقوف أمام ما حدث والتعامل معه بما يليق بحجمه وخطورته، لأن الصمت على ما حدث جريمة كبرى ونوع من الموافقة عليها، بل المشاركة فيها، فوقوع مثل هذا العدد من الضحايا يعنى أننا أمام إرهاب حقيقى، كبير ومنظم، ولا يمكن أبدا أن يكون نتاج عمل فردى، كما أن إسناد التهمة لمنظمات شبحية لن يكون مقبولا من الرأى العام، الذى ضج بكل ما يحدث من حوله، وصار لا يصدق أن أحدا يعمل من أجله، أو لصالحه، فبات كل ما يحصل عليه المواطن المصرى، هو إزهاق روحه، وتصفية دمائه وتخريب حياته، ودفعه للجحيم صباح مساء.
لا يمكن لأى عاقل أبدا، أن يقبل أن ما يحدث فى مصر هو احتجاجات سلمية، أو رفض لنظام حكمه، بل هى حرب إرهابية على الدولة المصرية وعلى أركانها وعلى شعبها، وكل ذلك مسئولية من يقوم على شئون الحكم بالطبع، لكن القوى السياسية وكل من هو موجود فى المشهد الراهن عليه أن يعلن موقفه ويتحرك بسرعة لوأد كل ما يحدث، إذا كان أمر هذا الوطن يهمه بالفعل، ومن يفعل غير ذلك نكون قد عرفنا وفهمنا حقيقة انتمائه.
إن ما حدث بالمنصورة ليس بالحدث العادى أو العابر، وليس أيضا مجرد عمل جبان كما اعتاد الاعلام وصف هذه النوعية من العمليات الإرهابية، فهذا قتل مع سبق الإصرار والترصد يستهدف رمز من رموز الدولة (مديرية الأمن) ولا يعبأ بسقوط ضحايا من المدنيين، وكلها أمور لا يمكن تفهمها أو تقبلها، إلا فى إطار أنه إرهاب منظم يستهدف هدم الدولة، وأعتقد أن هذا لن يسمح به أبدا أى مسئول عن هذا النظام، ومن ليست لديه القدرة على فهم ذلك، أعتقد إن مغادرة منصبه باتت ضرورة، فلا يوجد عند المصريين أهم من الشعور بالأمن، الذى بات سرابا فى ظل ما تشهده البلاد من أعمال عنف وتخريب تحت أعين الجميع، وللأسف بمباركة بعض القوى السياسية، ومنهم من يقول أنهم قوى الثورة.. أى ثورة تلك التى تقتل شعبها؟.
المصدر جريدة الشروق