عمرو خفاجى يكتب | ويسألونك عن الأحزاب
فى مقدمة خطايا نطام ما قبل ثورة يناير، حالة دهس السياسة ووأدها من جذورها، وبالتالى خرجنا من الثورة بلا أى ملامح لأى حياة سياسية مرتقبة، سوى تلك الصراعات البغيضة العامة ببن ما هو دينى ومدنى من ناحية، ثم بين ما هو مدنى وعسكرى من ناحية أخرى، وتاهت بينهما جميع الأيديولوجيات والأفكار السياسية المعتادة الراسخة والتى غالبا تعبر عن اتجاهات وتوجهات أصحاب الأفكار السياسية، حيث فقدت جميع التيارات معانيها الفكرية ومضامينها الاجتماعية، وباستثناء حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، وتيار الاشتراكيين الثوريين، وإلى حد ما المصريون الأحرار، شهدنا خلطات مذهلة من أحزاب وتيارات لا يعقل أبدا أن تكون داخل كيان واحد أو معبرة عن أفكار واحدة، أو حتى تتصارع من أجل أهداف بعينها، فالمراقب للمشهد العام يكتشف بسهولة حجم الارتباك الذى تشهده تلك التيارات، وبالتالى حجم الإحجام عن المشاركة فى هذه الأحزاب والتيارات، وغالبا لا يبقى لهم سوى عوامل شخصية وراء جذبهم للجماهير، فمازالت حالات الشخصنة هى البطل فى الحياة السياسية المصرية بعد الثورة.طبعا حسن النوايا متوافر فى غالبية الأحزاب والتيارات، لكن مكوناتها ومضامينها تكشف عن كمية مذهلة من التناقضات تجعلنا نحتار فى فهم البرامج التى يطرحونها لمواجهة المشكلات المزمنة التى تواجه المجتمع، كما أننا لا نفهم على أى أساس فكرى بنيت هذه البرامج، فإذا نظرنا إلى حزب مصر القوية على سبيل المثال، سنجد أنه تشكل وتمحور ــ فقط ــ حول شخص الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وهذا هو الرابط الوحيد بين الجميع داخل هذا الحزب، فى مقابل عدة تيارات تموج داخله، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن المنحازين للحكم المدنى، إلى المؤمنين بفكرة الإسلام السياسى، ومن غلاة الاشتراكية، إلى دعاة الليبرالية الإقتصادية، وهو تشكيل عصى على الفهم عسير القبول، ولا يمكن فعلا فهم انحيازات هذا الحزب الاجتماعية وعلى أساس يمكن اتخاذها، وهذا ما انعكس على مواقف الحزب خلال الفترات الماضية، وإن كان يملك تماسكا عضويا راسخا حول المواقف العامة، وربما ذلك يرجع للاتفاق على شخص مؤسس الحزب.والأمر لا يختلف كثيرا فى الديمقراطى الاجتماعى، والذى تتراوح أفكاره أيضا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ففى الحزب قيادات يسارية عتيدة لا تتراجع عن مواقفها، وأيضا داخل الحزب رجال أصحاب مواقف ليبرالية يمينية أقرب لليبرالية المدرسية، إن جاز التعبير، وبالتالى لا يمكن لنا أن نفهم بسهولة أو نتوقع مواقف هذا الحزب تجاه قضايا الانحياز الاجتماعى، فهل مثلا سيحارب من أجل الضرائب التصاعدية، أم سيبحث عن دعم رجال الأعمال، ومساعدتهم، وربما ما يميز هذا الحزب فقط أنه استطاع خلال الفترة الماضية خلق توافق بين تياراته، من المحتمل أن ينتج سياسات خاصة ومنهجا مختلفا يحمل اسم «الديمقراطى الاجتماعى»، والفضل فى ذلك يرجع أيضا لشخص أمينه العام صاحب القدرات السياسية والتفاوضية الممتازة.وإذا كانت الأيديولوجيات مرتبكة فيما ذكرنا من نماذج، فإنها غائبة فى نماذج أخرى مثل حزب الدستور، فلا يمكن أن نعرف أبدا تصنيف هذا الحزب إذا ما كان يمينيا أم يساريا أم وسطيا، مثلما تحاول كل الأحزاب أن تفعل عبر بيانات مرتبة بشكل جيد، وبصراحة كل ذلك يعكس عمق الأزمة فى تركيبة الحياة السياسية الحزبية التى لا يمكن لها، بهذه التراكيب، أن تكون قادرة على جذب الجماهير أو دعوتها للتصويت لها، وهو مأزق نعرف جيدا أنه لن يتم الخروج منه بين عشية وضحاها، لكن من المهم الالتفاف له بسرعة ومحاولة صياغته بطريقة تجعل لدينا أحزاب يمكن أن تتنافس على انتخابات وفقا لتوجهاتها وانحيازاتها.. لأن الحاصل يرسخ أكثر لقيمة الأشخاص، ويبدد أى محاولات لوصول الأفكار والبرامج لصناديق الانتخابات.
المصدر:الشروق