عمر الهادي يكتب | «البنطلون لأ»
لا أخفي عليكم أن الهواجس والظنون بدأت تداهمني بشأن حقيقة الرئيس عبدالفتاح السيسي. الرجل القادم إلى رئاسة الدولة بعد تاريخ عسكري طويل لا يبدو حقًا أنه مهتم بأداء مهامه الدستورية أو تحمل مسؤولياته قدر اهتمامه بالحديث في شؤون الإعلام وتطوير الصحافة، حتى أصبحت أشك أنه كان يحلم بمكتب نقيب الصحفيين في عبد الخالق ثروت، وليس مكتب رئيس الجمهورية في قصر الاتحادية. لا يترك الرئيس مناسبة دون أن يستغلها للتعليق على أداء الإعلام بالنقد و«التوجيه»، فتجده يطالب الإعلاميين بما يسميه «الاصطفاف» فى مواجهة «الجيل الرابع من الحروب الذى يستغل وسائل الإعلام»، ثم يهاجم صحيفة لمجرد أنها خرجت بعنوان «الحكومة منورة» على سبيل السخرية من فشل معالجة أزمة الكهرباء، ولم يخفِ إعجابه بتجربة الإعلام الشمولي في الستينيات حين قال: «الزعيم الراحل عبدالناصر كان محظوظًا بصحيح لأنه كان يتكلم والإعلام معه». ولم يتوقف «تقطيم» الرئيس للإعلاميين عند معالجة القضايا الداخلية، بل فتح الموضوع مع ضيفه الرئيس السودانى عمر البشير قبل أيام، محذرًا من تأثير الإعلام على قوة العلاقات بين البلدين، ليؤمّن الضيف على كلامه مؤكدًا أن «الإعلام يترك رواسب فى نفوس المواطنين». ولم يكتف الرئيس بمواعظه الدائمة للإعلاميين المصريين، فقرر أخيرًا ممارسة هوايته المفضلة، أمس، مع ممثلي 18 دولة، هم أعضاء اتحاد الصحفيين العرب، وقدم لهم «الوصايا الأربع» قائلًا: «لا تنحازوا للحكومة، وتمسكوا بالحيادية، ولا تكونوا أصحاب أجندات، ودافعوا في المقام الأول عن قضايا المواطن». وحديث «الأجندات» إذا لم تكن تعرف، بديل لطيف لعبارة خشنة تقول: لا تكونوا خونة وعملاء. ومن يسمع الرئيس يتحدث بهذه الطريقة عن الإعلام يتخيل أنه – لا سمح الله – قصّر في شيء! لقد خاضت أغلبية الإعلام المصرى المعركة مع الإخوان وانحازت لإرادة الشعب فى 30 يونيو بقرارها الحر وليس بطلب من أحد، وغامرت بالاصطدام مبكرًا مع «حكم المرشد» عندما اتخذت الجماعة مسارًا معاديًا لمصالح الوطن وحرية الصحافة معًا. الإعلام الذى لم يقصر مع الوطن فى معركة 30 يونيو – كغيرها من المعارك- لم تقصّر أغلبيته أيضًا مع الرئيس الجديد، وانحازت له بدافع تقدير صعوبة الظرف التاريخي وخطورة التحديات التى تواجهها البلاد، وأصبحنا أمام إعلام يرى أن أي تصريح للرئيس: «مانشيت صفحة أولى»، وأي اقتراح: مشروع قومى، وأي خطأ: يحتمل الصواب، وأي نقد حاد: «مش وقته»، وأي مصيبة: «بتحصل فى أحسن الدول».. و«الحمد لله إننا مش زي سوريا والعراق». ورغم هذا كله يضيق صدر الرئيس ومن معه بالإعلام، يريدون ما هو أبعد من ذلك، وليس هناك ما هو أبعد من ذلك إلا البنطلون. «البنطلون لأ» يا سيادة الرئيس. يبلغنا الرئيس فى خطاب جامعة القاهرة بأنه «عايز يبقى فيه مدرسة مصرية فى الإعلام تتسم بالموضوعية والصدق والقيم الأصيلة»، وبعدها بأيام يظهر في احتفال رسمي اختير لتقديمه دون أي سبب مفهوم مذيع «أمنجي»، مهمته الأساسية ترويج أن ثورة 25 يناير كانت مؤامرة، ومذيعة عرفها المصريون بالطائفية والتحريض على قتل المواطنين المسيحيين. يدعو الرئيس الإعلاميين إلى التحلى بالمسؤولية الوطنية واحترام القانون، ثم يستقبل في قصره أمنجيًا آخر يذيع تسجيلات خاصة لخصوم النظام وينتهك حرمة بيوتهم، ومهرجًا كانت آخر إبداعاته قبل أيام: «اللي هيهاجم السيسي من الإعلاميين هضربه بالجزمة» و«داهية تلعن ثورة 25 يناير». لا يخفى عليك يا سيادة الرئيس أن الدنيا تغيرت كثيرًا عن أيام الزعيم الراحل جمال الناصر، ومن الخطأ أن تتصور السلطة أن الإعلام الذى انحاز لقضية وطنية بإرادته، وقرر دعم الرئيس الجديد في شهور حكمه الأولى، سينحاز للسلطة على بياض إلى الأبد، ويغمض عينيه عن أي فشل أو تجاوز. وإذا لم تكن قادرًا على تجاوز أزماتك المفتعلة مع الإعلام يا سيادة الرئيس، فأقترح عليك تطبيق حل من اثنين. الحل الأول: أن تفتح الدستور الذى وافق عليه الشعب بأغلبية 98%، لتقرأ مهام رئيس الجمهورية التى ليس من بينها الإشراف على الإعلام أو توجيهه، فأنت رئيس للسلطة التنفيذية فى نظام جمهوري لمدة 4 سنوات، ولست «مرشدًا أعلى» للأمة، إلا إذا كنت تريد الاقتباس من النموذج الإيراني وتطبيق «ولاية المشير» في مصر. وحين تقرأ الدستور يا سيادة الرئيس، ستتأكد أن دورك هو أن تهتم بعملك التنفيذي، وتترك الصحفيين يهتمون بعملهم الذى يكفل الدستور استقلاله ويمنع تدخلك فيه، وكل ما نطلبه منك فى مسألة الإعلام هو أن تتفضل بإجراء الانتخابات البرلمانية حتى يتسنى لمجلس النواب إصدار القوانين المكملة لمواد الدستور فيما يتعلق بحرية الصحافة، وإنشاء الأجهزة المستقلة المنوط بها تنظيم الإعلام ومعالجة أزماته. وأما الحل الثانى، فهو أن تتفضل بتقديم استقالتك من رئاسة الجمهورية، وتتقدم للقيد بنقابة الصحفيين بعد استيفاء الشروط اللازمة، لتحل علينا زميلًا عزيزًا، تحمل هموم المهنة، وتقدم بنفسك النموذج الذى تطالبنا به، وأثق أنك ستكون صحفيًا ناجحًا جدًا.. في زمن عبدالناصر، وليس الزمن الذى تحكمنا فيه.
المصدر:المصري اليوم