مجموعة سعودي القانونية

عمر خفاجى يكتب | إيجابية غياب الرؤية السياسية

عمرو-خفاجى

من الانتقادات التى توجه لحكومة المهندس إبراهيم محلب، أنها حكومة بلا رؤية سياسية، وبصراحة هذا الأمر يثير الضحك والسخرية، لأنها فعلا بلا رؤية سياسية، والجميع يعلم أنها بلا رؤية سياسية، ولا أكون متجاوزا لو قلت إنها لو كان لديها رؤية سياسية، سيكون ذلك من الأمور التى تعيبها، فغياب الرؤية السياسية فى هذه الحالة أمر إيجابى، لأنها حكومة انتقالية أو تسيير أعمال متفق على ذلك من اللحظات الأولى، لتشكيل الحكومة الأصلية التى شكلها الدكتور حازم الببلاوى، والتى كانت جاءت لتنفيذ خارطة الطريق، وتقوم بتنفيذ المهام العاجلة التى لا تحتمل التأجيل بمعاونة الرئيس المؤقت، والذى جاء أيضا بحكم منصبه كرئيس للمحكمة الدستورية، وهو أيضا بلا رؤية سياسية، ولا ينبغى أن يكون كذلك، فقط يصرف الأمور ويستكمل المهام اللازمة لإدارة شئون الدولة، فالإدارة الحالية (رئيسا وحكومة) لا ينتميان لأى حزب أو فكر سياسى، وحتى إذا كان أحد أعضاء الحكومة، منتميا لأحد الأحزاب، فإن ذلك لا يعنى مطلقا أنه موجود لتنفيذ سياسات وأفكار حزبه فهو فى مهمة فنية مؤقتة، ولا يجوز له إعمال أى أفكار جديدة من خلفية أيديولوجية، لأن الناخبين/ المواطنين، لم يفوضوه بذلك، وكذلك الرئيس، وهو وضع مختلف تماما عما سيكون بعد شهر من الآن، حينما يتم انتخاب رئيس، ساعتها نسأل عن الرؤية السياسية لحكومة الرئيس الجديد، ونحاسبه على كل خطوة يخطوها، باعتبار أنه سيصير بيننا تعاقد جدى اسمه البرنامج الانتخابى، من المفترض أننا انتخبناه على خلفيته.

وما يثير الضحك أيضا، فى قصة غياب الرؤية السياسية للحكومة الحالية، أننا لم نعش من قبل فى ظل حكومات تمتلك حقا رؤى سياسية، لا قبل الثورة، ولا بعدها، وفى أحسن الأحوال كنا نعتبر خطاب تكليف الحكومة، إن وجد، هو المرجع الذى نحاسبها عليه، وغالبا كانت خطابات التكليف، تتضمن مهام بعينها، وقضايا اقتصادية واضحة، ولم نر أبدا، أى رئيس للوزراء يتحدث فى السياسة، ربما كان آخرهم الدكتور فؤاد محيى الدين الذى ورثه مبارك عن السادات، ومن بعده جاء رؤساء الوزراء لأسباب اقتصادية لا علاقة لها بالسياسة، على لطفى وعاطف صدقى وكمال الجنزورى وعاطف عبيد وأخيرا أحمد نظيف، وبعد الثورة جاء أحمد شفيق وعصام شرف وكمال الجنزورى لأسباب سياسية، لكنهم لم يمارسوا السياسة أيضا، حتى جاء مرسى بهشام قنديل لأسباب لا نعلمها حتى هذه اللحظة، وفى تقديرى أنه رجل طيب ظلمنا وظلم نفسه، والأمر لا يختلف أيضا فى أسباب اختيار المهندس إبراهيم محلب، الذى لم نسمع اسمه فى عالم السياسة من قبل، مهندس معروف بقدرته على الإنجاز وسرعة تنفيذ المشروعات، فلماذا نطلب منه الآن صياغة رؤية سياسية، وما هى أصلا الرؤية السياسية التى يملكها الرئيس المؤقت حتى يختار شخصا قادرا على تنفيذ هذه الرؤية.

أيا كان ما ستفعله حكومة محلب، فهى مشكورة فى كل الأحوال للقيام بمهامها، سواء نجحت أو أخفقت، فيكفيها قبول تولى المسئولية، فى هذه المرحلة الحرجة، والتى لا تعتبر فيها السلطة مكسبا بأى حال من الأحوال، ولا فوزا بأى شىء، وفى تقديرى، فإن كل من ساهم فى هذه المرحلة الانتقالية، لم يربح شيئا، وإنما أصابته خسائر بشكل أو بآخر، وربما لن يفوزوا بشىء إلا بتقدير التاريخ، حينما تتم كتابته بهدوء بعيدا عن العصبية والاستقطاب، أما أن نقول على رجال المرحلة الانتقالية، أنهم نظام حكم، فهذا لا يمكن تفهمه أو قبوله، لأنهم فعلا يصرفون الأمور حتى لو اتخذوا قرارات إستراتيجية، فهذا ما يطلبه واقع اللحظة، ولا تتطلبه الرؤية السياسية، غير الموجودة من الأساس.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *