مجموعة سعودي القانونية

عمر طاهريكتب | عن الحفر والحفريات

عمر طاهر

لا أعرف السر خلف تورُّد وجنتَى رئيس الجمهورية عند التصريح بثقته بقدرة المصريين على التحمل، مع احترامى لهذه الثقة، لكن أخشى أنها ليست مبنية على أسس علمية، صحيح أن المصرى «شكّاى» بطبعه، لكن تبدو الشكوى هذه الأيام قاسية لا تخلو من شعور ما بالإهانة.

الحزن الذى تغرق فيه الشوارع بسبب ظلام انقطاع الكهرباء بدد كثيرًا من الاتزان النفسى للمصريين، فمن أين تأتى القدرة على التحمل؟ تنقطع الكهرباء لفترات تصل إلى 15 ساعة متقطعة من دون مبالغة فى كثير من المدن، فى مقابل ارتفاع فى فاتورة الكهرباء غير مبرر جعل الناس تتعامل مع محصلى الكهرباء معاملة المواطنين الشرفاء للثوار، والمحلات التى اشترت مولدات كهربائية حرصًا على أكل عيشها تنفق على بنزين المولدات رقمًا قد لا تحققه مكسبا من تجارتها فى يوم واحد.

وبيوت يفطس أهلها بحثا عن نسمة هواء تصبرهم على الظلام لكن لا أمل، لا أبقى انقطاع الكهرباء على تدفق الماء إلى البيوت ولا أبقى على انضباط فى مواعيد النوم خوفا من أن تعود الكهرباء التى انقطعت فى الواحدة صباحا قوية فتتسبب فى حريق، ولا شجع أحدًا على الدخول والخروج بسلام من بيته إلى مشوار عمل أو صلة رحم أو زيارة طبيب خوفا من أن يعلق المصعد فى دور عال فى لحظة مباغتة، أصبحت ممارسة الحياة العامة تنطوى على قدر من المخاطرة، وأفرط الناس فى العزلة والعطلة، كيف تثق بقوة تحمُّل شعب لم يعد قادرا على شحن تليفوناته؟!

هذا التوتر على هامش الغلاء الذى لم ينجُ منه شىء، من الغذاء إلى الدواء، أى شخص فوق الستين مصاب بحكم السن على الأقل بثلاثة أمراض تحتاج إلى علاج أسبوعى لا يقل عن 500 جنيه مقابل معاش لا يتعدى الألفين، لا يمكن اليوم أن تلوم أحدًا من الطبيب إلى النقاش على رفعه أجره، فلم يعد هناك شىء اسمه «10 جنيهات» وقريبا سنراها «كوين» تلقيه فى يد شحاذ ما على استحياء، وهناك مناطق كاملة أرباب أسرها لا يمتلكون أوراقا رسمية تسمح لهم باستخراج بطاقة تموين معظمهم لم يسجل أولاده رسميا.

وأسرة صغيرة حتى تلتف حول وجبة غذاء الطبق الرئيسى فيها دجاجة تحتاج إلى «100 جنيه» على الأقل مقابل هذه الوجبة ويا شبعوا يا ماشبعوش، بعدها تعود الأسرة للعيش على شراء أجزاء الدجاج المتبقية بعد نزع الفيليه وبيعه بالكيلو (متوسط سعر الكيلو 55 جنيها).. (معلش المقال قلب على محلات السوهاجى للطيور)، من الميكروباص إلى لقمة العيش مرورا بالسيجارة والعلاج ومصروفات المدرسة، أينما وضعت قدمك يبدأ الحوار من هذه النقطة وينتهى عندها ويعرّج فى المنتصف على قصة حفر قناة جديدة.

لا بد أن يخبر أحدهم رئيس الجمهورية أننا مسامحون فى موضوع أن القناة تتحفر فى سنة، ماعلش فلنقتسم تكاليف بناء هذا المجد القومى مع تكاليف ضبط حياة المواطن اليومية، ماذا يفيد الحفر بينما الشعب يتحول بفعل الظروف السابق ذكرها إلى حفريات؟، وإن كان هناك قادرون على شراء أسهم أو سندات فى المشروع فليكن هذا أولى بتوافر ما سرّع بتحسين الأوضاع، إذا كان معاك قرش تريد أن «توسع» به القناة فالأوْلى أن «توسع» به على أهل مصر، ولا تتركهم فريسة للمقارنة الساذجة غير المفيدة بين عهد «أبو علاء» وعهد «أبو غلاء»!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الدستورالاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *