عمر طاهر يكتب| العم محمد عفيفى فنان «التويتر» الأول
«من المفكرة»
أستأذنك أن نبتعد عن الأحداث قليلا.. فى ديسمبر 81 رحل عن عالمنا واحد من أعظم ساخرى مصر وأقلهم حظا، لم يسعدنى الحظ بأن أعاصره، لكننى منذ اكتشفت كتاباته بالصدفة أصبح فى البال دائما، وأراه واحدا من أعظم الأساتذة الغائبين الحاضرين.
لا يعرف الواحد الكثير عن حياة الأستاذ محمد عفيفى، وكانت فرحتى كبيرة عندما اكتشفت أن الأستاذة سناء البيسى رئيسى السابق فى العمل، كانت تزامل الأستاذ عفيفى فى الغرفة نفسها فى مبنى «أخبار اليوم»، وكتبت فى خفة ظل هذا الرجل ووقاره وأناقته وسخريته العريضة سطورا تلمس القلب فى كتابها «سيرة الحبايب».
كان الأستاذ عفيفى واحدا من أمناء سر شلة الحرافيش مع نجيب محفوظ وأحمد مظهر وتوفيق صالح وغيرهم، وكان آخر ما كتبه رواية لم يمنحها اسمًا، وسلم المخطوطة لنجيب محفوظ ليقرأها، رحل بعد هذه الواقعة بفترة قصيرة، بعدها منحها محفوظ اسم «ترانيم فى ظل تمارا»، وقام بنشرها وفاءً لواحد من أعز أصدقائه، لم يلقَ تكريما يليق بموهبته العظيمة.
بعد ظهور «تويتر» بالمساحة القصيرة الممنوحة لكل تويتة (140 حرفا) اكتشفت أن الأستاذ عفيفى كان رائد هذا الفن قبل ظهوره، فهو من أوائل من اختزلوا رؤيتهم للعالم فى جمل قصيرة لاذعة، أشبه بالضربة القاضية التى لا تصلح بعدها أى كلمات، لا أريد أن أستفيض فى الكلام النظرى عن العم محمد عفيفى، وسأتركك لتستمتع ببعض من إبداعاته للتأكد من استحقاقه الريادة، ولتعرف «دماغه» عن قرب، مع ملاحظة أن معظم هذه الجمل ابنة فترة الستينيات والسبعينيات، لكنك ستجدها متماسّة مع حياتنا اليومية بشكل مذهل، كأنها تمتلك طزاجة المكتوب اليوم.
من أقوال الأستاذ عفيفى:
■ الرجل الذى يتزوج على عجَل.. يندم على مهل.
■ النفقة الشرعية أشبه بتقديم العليق لحصان ميت.
■ سر متاعبنا لا يكمن فى أن الأشياء غير موجودة.. بقدر ما يكمن فى أنها موجودة فى مكان آخر.
■ شىء طبيعى أن تذهب إلى والد البنت لتطلب منه يدها.. فهى العضو الذى سوف يبقى فى جيبك مدى الحياة.
■ الزواج نهاية معركة بين رجل يريد الشراء بالقطاعى وامرأة تصر على البيع بالجملة.
■ الفرق بين المهرج والساخر.. أن الأول يجعلك تضحك عليه، فى حين أن الثانى يجعلك تضحك عليكما.
■ ما سبب سرعة الطلاق بين الممثلين والممثلات؟ ذلك أنهم وقد تعبوا من التمثيل فى المسارح والاستوديوهات لا يطيقون مزيدا من التمثيل فى البيت.
■ أليس غريبًا أن الرجل الوحيد الذى نجح فى أن يجعلنى أعبر طريقا لا أريد عبوره كان رجلا أعمى؟
■ هناك شىء واحد لا شك فيه وهو أن كل شىء فيه شك.
■ ما أتعس رجلاً تلقى أصول دينه من معلم جاهل.
■ مسكين أبو البنات الكثيرات.. لا سيما إذا كُنّ قبيحات.. أو جميلات.
■ أنت غنى بقدر ما تنفق لا بقدر ما تملك.
■ معظم الآباء يقيسون نجاحهم فى التربية بعدد الحقائق التى نجحوا فى أن يخفوها عن أبنائهم.
■ كلما نظرت إلى ساعتى السويسرية تذكرت شعبا سعيدا.
■ بضع شعيرات بيضاء فى الرأس.. خير من بضع شعيرات سوداء.
■ لا الصحة تغنى عن المال ولا المال يغنى عن الصحة.. لا يمكنك أن تقطع رحلة الحياة بفردة حذاء واحدة.
■ لا أحد يمتلك بُعد نظر مثل الطفل الذى يبكى ساعة ولادته.
■ إذا مات رجل من شدة الجوع فهذا لا يرجع إلى شىء سوى أن رجلا آخر قد مات فى اللحظة نفسها من فرط الشبع.
■ الفرق بين اللص الصغير واللص الكبير أن الأول يتسلق الماسورة فى حين أن الثانى يتسلق الموجة.
■ قلت للرجل الفقير وقد رأيت بطن زوجته منتفخا بطفل جديد: «وده هتوكله منين؟»، فقال لى: «هع.. ومين قال لك إنى هاوكله؟».
■ إذا تكاثرت عليك الهموم فتذكر أنك أنت الذى منعت زوجتك من استخدام حبوب منع الحمل.
■ ليس شرطا أن تكون فلاحا لكى تنام مع الجاموسة فى بيت واحد.
رحم الله كاتبنا الكبير أحد مؤسسى المدرسة الساخرة، الذى تعلمنا منه جميعا وتأثرنا به، وأتمنى أن تعتبر هذا المقال دعوة للاطلاع على كتابات هذا الرجل من خلال كتبه القليلة الصادرة عن دار «أخبار اليوم».