تدرّب العقل خلال العامين السابقين على مهارات النقد والهدم، وأصبح ماهرا فى هذه النقطة -هذه النقطة بس- هذا هو حال معظمنا وهذا هو المطبّ الذى وقعنا فيه، وعلينا أن نبحث عن علاج له.
فى هذه اللحظات الثقيلة ثقل المازوت المحروق نحتاج إلى أن ننظر إلى الأمور بطريقة جديدة، لأن كركبة السياسة ستستمر لفترة طويلة، بقى عليك أن تنقذ نفسك من السحل، بأن تغير طريقة نظرك للأمور فتنقذ نفسك ومعنوياتك، ساعتها سيصبح كل ما دون ذلك أسهل كثيرا، هذا كلام موجه للجميع باختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، فمن الواضح أنه لا أحد يشعر براحة تامة هذه الأيام.
إليك هذا التدريب البسيط فى هذه القصة القديمة التى ربما تعينك فى هذا الخصوص:
كبرا معا وكانا صديقين كما ينبغى، أصبح الأول ملكا والثانى مجرد صديق ومستشار للملك، كان الملك يكره فى صديقه كلمة يرددها بمناسبة ودون مناسبة «بالعكس»، كان يبدأ بها ردوده على الملك دائما، وما كان يثير غيظ الملك أن الصديق كان يمتلك دومًا وجهة نظر بالعكس لكنها صحيحة.
تحمله الملك كثيرا، وكان ينتظر بفارغ الصبر يوما يقول له فيه صديقه «بالعكس» ويفشل فى إثبات وجهة نظره، حاول كثيرا أن يوقعه فى هذا الفخ لكن دون جدوى.
كانا الملك وصديقه يزوران الغابة معا كل أسبوع لممارسة الصيد، وكان الصديق مكلفا دومًا بإعداد البنادق التى سيستخدمونها فى هذه المهمة، فى إحدى المرات أخطأ الصديق فى إعادة تركيب البندقية بعد فك أجزائها وتنظيفها، ثم أعطى الملك البندقية وذهبا إلى الغابة.
لمح الصديق من بعيد غزالة تجرى فلفت نظر الملك إليها، اتخذ الملك وضع التصويب وأحكم النشان ثم أطلق رصاصته فكان أن انفجرت الرصاصة فى يد الملك، ولم يكن هناك مفر من بتر أصبع الملك.
بعد أن تعافى الملك جلس فى فراشه حزينا، دخل عليه صديقه فقال له الملك «إنه أمر سيئ للغاية أن يفقد الإنسان أصبعا كاملا» فقال له الصديق «بالعكس»، نهض الملك من فراشه بعصبية وطالب الصديق أن يثبت هذه الـ«بالعكس»، فشل الصديق وسيطر عليه الصمت، فرح الملك وقال له لقد كنت أنتظر هذا اليوم منذ طفولتنا.. والآن حكمت عليك بالسجن لمدة سنة كاملة.
ذهب الصديق إلى السجن وشعر الملك براحة كبيرة تغمره، وفى يوم اشتاق إلى الصيد، فأخذ بندقيته وذهب إلى الغابة بمفرده، وهناك ضلّ طريقه وفجأة وجد نفسه محاصرا بأفراد من قبيلة لآكلى لحوم البشر كانت تعيش على أطراف الغابة.
فرح الصيادون بغنيمتهم وسحبوها إلى مطبخ القبيلة وأشعلوا النار فوق قِدر كبير به ماء، وقاموا بتجهيز السفرة استعدادا لتناول وجبتهم الشهية، كان الملك يرتعد خوفا وقال لنفسه إنه ذنب صديقه الملقى خلف الأسوار، اقترب منه زعيم القبيلة ببطء ليحظى بشرف افتتاح البوفيه بأن يتناول كف الفريسة نيئا حسب عاداتهم، وعندما أمسك بيد الملك أصابه حزن عظيم، فقد وجده ناقصا، وهنا سيطرت همهمات حزينة على كل أفراد القبيلة، لقد تبخر حلمهم لأن عاداتهم تقضى أن لا يتناولوا إلا الفريسة الكاملة، وإذا ما تناولوا فريسة مبتورة الساق أو الأذن أو ينقصها أى شىء ستصب الآلهة عليهم لعنة «كومبو»، تجعلهم يبدؤون فى التهام بعضهم البعض.
أطلقوا سراح الملك الذى عاد إلى قصره سعيدا، لكنه كان يشعر أن ظلما ما قد وقع على صديقه، فقد أنقذه الأصبع المبتور من الموت، واتضح أن بتر أصبع ليس أمرا سيئا.. بالعكس.
ذهب بنفسه إلى صديقه ليطلق سراحه وقصّ عليه ما حدث واعتذر له قائلا «إنه أمر سيئ أن تقضى كل هذا الوقت فى السجن» ابتسم الصديق قائلا «بالعكس»، ظهر الغضب من جديد على وجه الملك فقال له الصديق «لو لم أكن فى السجن كانوا أكلونى أنا».
المصدر: التحرير