هذه شهادة أحد الأصدقاء المنتمين للتيار الإسلامى، طلب منى أن لا أشير إلى شخصه عند نشرها، فطلبت منه أن يقترح علىَّ الطريقة التى أقدم بها كاتب هذه السطور، فقال لى اكتب وجهة نظر: «أحد المنتمين إلى التيار الإسلامى، رافض للانقلاب العسكرى، وممن اعتصموا فى رابعة، ولكن على الرغم من هذا تعب من كثرة الدماء التى تُراق على الأرض بلا نتيجة».
وجهة نظر قد تتفق مع بعض ما فيها أو ترفضه، ولكن فى كل الأحوال هناك صوت قادم من هذه الصفوف لا بد أن تستمع إليه لتقترب أكثر من طريقة التفكير ونظرتهم للأمر كله، دون أن يعنى هذا أننى أوافق على كل ما تحويه هذه السطور، وباب التعليق على ما يقوله مفتوح للجميع.
يقول الصديق:
بداية من يوم 3 يوليو وأنا أتعمد أن أسأل من أعرفهم سؤالا محددا:
«سمعت زغاريد بعد إلقاء بيان السيسى يوم الانقلاب؟».
كانت الإجابة فى الغالب بالإيجاب وتوضيح أن الزغاريد كان يصاحبها صيحات وتكبير وطلقات نارية تعبيرا عن الفرح، ومظاهر أخرى كثيرة تعبر عن قبول الانقلاب العسكرى.
منذ هذا الوقت عرفنا معلومة واضحة، وهى أن المجتمع ليس مع بقاء التيار الإسلامى فى السلطة، وبالفعل مرت علينا أوقات كان الملتزم يشعر فيها بغربة حقيقية عن الناس من كثرة النظرات الشامتة والرمى بالكلام والاستهزاء والاستفزاز والتشغيل المتعمد لرائعة القرن الواحد والعشرين (تسلم الأيادى).
حالة غربة تدل على أننا فشلنا فى معركة الدعوة فى الأربعين عاما الأخيرة.
وشخصيا لا أشك فى منهج الله، ولكن أتشكك فى منهج الرجال الذى ظنوا أنهم على منهج صحيح.. نحتاج إلى الجلوس ومراجعة الأخطاء والاعتراف بأن تلك السنوات الطوال لم ينتج عنها تصورات ناضجة تستطيع إدارة سلطة فى مثل هذه الظروف، ثم نضع تصورا للعمل والدعوة فى السنوات المقبلة.
ليس المهم: أين سنقوم بصياغة هذا التصور.. فى البيوت.. فى السجون.. مش فارقة كتير.
بالتأكيد كنت مترددا فى عرض هذا الكلام آنفا، ولكن مع الفقر المريع فى عقليات رؤوس وكوادر العمل السياسى الإسلامى، والذى ينظرون فيه للعشرات التى تُقتل كل طلعة مظاهرات على أنهم (خسائر ضرورية فى سبيل الوصول إلى السلطة)، أو (وسائل لتحسين شروط التفاوض)!
الدولة فى الطريق لحدوث فشل اقتصادى والشماعة التى سيُواجه بها الشعب هى أن الإخوان هم السبب وستعلو الشعارات من نوعية (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) وسيكون هذا مبررا مقنعا، كما كان مبرر الزيادة السكانية التى تلتهم كل شىء مبررا فعّالا أيام مبارك!
فشل الانقلاب قائم على أمر من اثنين:
1- حدوث شق فى المؤسسة العسكرية وهذا شبه مستحيل.
2- أن يحدث تعاطف شعبى مع المظاهرات فيزداد الناس يوما بعد يوم إلى الحد الذى سيؤدى فى النهاية إلى النقطة الأولى (الشق العسكرى) وهذا للأسف متعذر أيضا، لأن التظاهرات هناك خطة قوية لمواجهتها بغطاء إعلامى يعرض الأمر على أنها مظاهرات مصحوبة بجرائم وأسلحة، وفى الوقت ذاته العمليات العسكرية التى تحدث ضد الجيش (والتى تُضعِف الموقف أمام الناس) تُلاقَى بترحيب شديد من المتظاهرين مناهضى الانقلاب (السلميين).
الحل هو الانسحاب والخروج من المشهد (الاستسلام يعنى).
المشكلة تكمن فى شيئين:
1- الإخوان يرون أن خروجهم من المشهد سيؤدى إلى عودة الاستقرار الاقتصادى، وأن بقاءهم بالشوارع هو فقط الذى سيؤدى إلى حدوث الفشل الاقتصادى التام الذى سيؤدى إلى ركوع الانقلابيين.
وهذه وجهة نظر خاطئة من وجهين، أولهما أنه لا يوجد فى الشرع ما يجيز العمل على تضييق حياة الناس التى تعيش وسطهم كسبيل لتحكيم الشريعة.
الثانية أن تلك النظرة لا تنظر إلى أن الفساد فى مصر لا يزال مرتبط بالسلطة كتوأم ملتصق، وبالتالى فإن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تربة فى منتهى الخصوبة لثورات تالية.. الفارق الوحيد هو أن شماعة الإخوان والإرهاب لن يمكن وضعها فى كفة الصراع السياسى وقتها.
2- الخوف الشديد من الاستئصال ومشكلة هذه النظرة أنها لا تنظر إلى وعد الله بأنه لا يوجد شىء اسمه استئصال لرسالة الله فى الأرض، ولا يوجد للباطل قوة متجاوزة يستطيع إزالة دعوة الإسلام من قلبٍ، فضلا عن نزعها من مكان.. لا يوجد لديه زنازين كافية.. لا يوجد لديه رصاص كافى.. لا يوجد لديه شىء يطفئ به دعوة الله.. ليس لديه سوى غلق طرق أو عمل مطبات صناعية قد تجعل الطريق صعبا، ولكنه أبدا لا يُغلَق
المصدر | جريدة التحرير