توني موريسون تغازل الواقعية السحرية مجدداً
في روايتها الأخيرة، تطرحُ توني موريسون سؤالاً صعبًا:
ماذا نفعل حيالَ خطايا الأطفال، حين تكونُ خطايا الأطفالِ تِلكَ قد اقتُرِفتْ من قِبلِ قوَّةٍ ضد فتاةٍ هي بدون أيَّةِ قوّة؟
روايةُ توني موريسون الجديدة، تقاوم الادّعاء بأنّ الكُتّاب يفقدون سحرهُم حين يبلغون مِن الكِبَرِ عِتيّا. موريسون الآن في عقدها التّاسع، و لم تبدأ نشر الروايات حتي بلغت الأربعين تقريبًا ، لكنها تُبرهِنُ مِن خلال فليكُن الرّب في عون الطفلة بأن كتابتها مازالت نضرة وقويّة وجريئة، كما هو شأنها دومًا.
ثمَّة شعورٌ باكتمالِ حلَقةٍ بهذا العمل الجديد؛ لأن روايةَ موريسون الأولي تُشارك ثيمتيها الرئيستين و تُسهب في الحديث عن سوء معاملة الأطفال، والتفرقة العُنصريّة علي أساس اللون، والتعصّب القبَلي ضد ذوي البشرة السّوداء، حيث يسود ذلك حالةٌ من التوتّر، حتي إنه من النادر أن يُطرحَ للنقاشِ العام.
في »العين الأكثرَ زُرقة« المنشورة في 1970، فتاةٌ ذات بشرة سوداءَ للغاية تُدعي بيكولا، والتي يتم اعتبارها قبيحةً من قِبل الجميع، تُغتَصب من والدِها. في فليكن الرب في عون الطفلة البطلة؛ ( لولا آن)، التي تُولَدُ لأبٍ و أمّ من ذوي البشرة البيضاء، و اللذَين كانا يتمتّعانِ بالامتيازاتِ النسبية التي يمنحها لهما لون بشرتيهما في أمريكا.
لولا آن برايدوِل (التي تعني إصلاحيّة)، والتي تُسمّي نفسها برايد (عروس)، سوداء جميلة ضاربة بشرتها للزُّرقةَ، من نوع النّساء التي تُديرُ الرؤوس متي حلّت. طويلة، أنيقة، و ترتدي ملابس بيضاء فقط، التي هي أفضل ما يعكِس جَمالها.
لكن برايد لم تُدرِك دومًا شأن جمالها، أو كيف تتحمّله. كطِفلة؛ عاقبتها أُمّها سويتينس بسبب بشرتها الدّاكنة، والتي تسببت في إنهاء زواجها. لويس، زوج سويتنس، لم يحمل نفسه علي أن يُحِبَّ طفلةً ذات بشرة سوداء مثل برايد.كان لدينا ثلاث سنواتٍ رائعةس تخبرنا سويتنس، لكن حينما وُلدَتْ، لامني أنا و عامل لولا آن كما لو كانت غريبة، أو أكثر من ذلك، مثل عدوّ. والدتُها علي الرُّغمِ مِن ذلك كانت تُجبر طِفلتها علي أن تُناديها بسويتنس بدلاً من أيّ نداءٍ ذي طبيعةٍ أُموميّة.
تنشأُ برايد وتكبر بلا حُب، بلا حنان، أو أُلفة أو حقٍ في الدّفاع عن ذاتها. سويتنس، تُظهرُ بأنها بذلك تري نفسها تحمي طفلتها من العالم الذي من الممكن أن يكون حتّي أكثر مَيلاً لأن يُعاقِب برايد لأجل سوادِ بشرتها. بينما سويتنس ستتأسف لأجل طفلتها سوداءَ البشرة، فإنها لن تقدّم تبريرًا لأجل كيفيّة رؤيتها للعالم، أو كيف ربّت طفلتها فتقول:»بعضكم من الممكن أن يظنّ أنه لشيءٌ سيئ أن نُصنِّف أنفسنا طبقًا للون البشرة: (الأكثرُ بياضًا، الأكثر أفضليّةً) في النوادي الاجتماعيّة، الأحياء السكنيّة، الكنائس، ونوادي النّساء، حتي لمدارس ذات طبيعة علي أساس اللون. لكن، كيف لنا أن نحتفظَ ببعض الكرامة؟
ذلك ما يجعل من الصّعب جدًا أن نحكمَ علي اختياراتِ سويتنس. عليها أن تُدرك بصورةٍ أفضل، لكن من المؤلم بشكلٍ واضح أن خياراتها قد شُكِّلَت بحقائق شأن كونها سوداء في عالمٍ أبيض؛ عالمٍ، حيثُ كلّما كانت بشرتُكَ أكثر بياضًا، استطعتَ الارتقاءَ أكثر.
لو كانت التفرقةُ اللونيّة هي ما قد سوَّغ للشعوب السوداء أن تستمسك بكرامتها، لم يكن مسموحًا لبرايد بذلك أبدًا. بأُمٍ تحتقر وُجودها أشدَّ ما يكون، ليس مُفاجئا حين تقول برايد كذبةً تتسبّبُ في إرسال امرأةٍ بريئة إلي السجن.
لاحقًا، بعد أعوام، كفتاةٍ ناضجة؛ تجد برايد طريقةً لأن تكون متصالحةً إلي حدِّ مّا مع بشرتها. هي مديرةٌ ناجحةٌ لشركة للمستحضراتِ التجميليّة، تجني المال، وتتعاملُ مع كل الطّوائف. ومازال ماضيها يرافقها. تحاول برايد أن تقدّم تعويضًا عن الكذبة الفظيعة التي قالتها حين كان شابّة، لكن، في تلك الأثناء، يتخلّي عنها عشيقها زبوكرس لتعلمَ أن تقديم التعويضات لا يجري أبدًا وفق الخُطط.
تنطلق برايد للبحث عن زبوكرس ليس ضروريا أن يكون بسبب الحب، لكن، لأنها ساخطة لأجل هجْر بوكر إيّاها. حين تدرك كم هو قليل حقيقةً ما كانت تعرفه عن عشيقها، تقول: »لم أفكّر أبدًا بشأن هذا الجزء من حياته، لأن ما كان مهمّا في عَلاقتنا- بغض النظر عن ممارسة الحب، وتفهُّمه الكامل لي- كان المرح الذي نحظي به. كأغلب الأشياء في حياتها؛ برايد مهتمّة بكيفية تداخل بوكر معها. حياته فيما بعد علاقتهما- حتّي الوقت الذي تذهب فيه للبحث عنه- كانت ضئيلة الشأن.
تتّخذ رحلتها نحو الغابات في نورث كارولينا؛ حيث تتحطُّم سيّارتها في حادث، ويكون لزامًا عليها أن تتماثل للشفاء وسط عائلة بيضاء والتي لا تتقبل الأمر أيضًا في البداية.
طوال هذا الوقت، تطرأ تغيُّراتٌ علي جسد برايد في أشكالٍ تمكنها فقط من استطاعة الرؤية، تنكمش و تصبح بلا شعر رأس، كما لو أنها تنتكسُ لفترة صباها كبنتٍ صغيرة. تلك التحولات الجسدية، هي أكثر الأجزاء إثارةً في »فليكن الرب في عون الطفلة«. تغازل موريسون تيار الواقعية السحرية الذي كان يصبغ بعضًا من أعمالها الأولي، لكنه لا يرتكزُ تمامًا علي فرضية تحولات جسد برايد غير القابلة للتفسير.
»فليكن الرب في عون الطفلة« هي ذلك النوع من الروايات الذي تشعر معه بالدهشة حالما تبلغ نهايته. الكتابة وطريقة السّرد مفحمة تماما، لكنها مفككة علي نحوٍ محبط. القصة تتخذُ هيئة الكتب العظيمة، حيث شخصيات الرواية مرسومةٌ بعنايةٍ تمامًا، وهناك المزيد مما في جعبتها، ومما هو كامن تحت السطح.
حسب الأسلوب الذي تسلكه الرواية، الشخصيات الوحيدة التي نعرفها بعمقٍ نوعا ما أو أهمية هي: برايد، سويتنس- وبوكر و لكن بدرجةٍ أقل. ثمة عديدون نعرف عنهم قليلا حين يتطلب السرد ذلك بوضوحٍ أكثر فأكثر. هناك حبكةُ فرعية تتضمن صاحبة شركة ماكرة وصديقة، هي بروكلين، وهي واحدةٌ من الشخصيات التي يبدو أنها تقدم إنجازاً نوعًا ما. هي إحدي الشخصيات التي تبدو كأكثر الشخصيات خصوبة صالحة لأجل تطوّر إضافي للأحداث، تظهرُ كالملكة، لتُشرّف الرواية لبضع صفحات.
حتّي الآن؛ هناك تلك الرهبة والتأجج تحت السطح الظاهر من كل كلمة. واللغة، التي تتناوب ما بين عرض وجهة النظر وفرضيات الرواية، هي شيءٌ مدهش. تظل موريسون كاتبةً جبّارةً بشكلٍ لا يُصدّق؛ تجتذب الانتباه أيّا كانت القصة التي ترويها.
في »فليكن الرّب في عون الطفل« لدينا قصة من نوع: (من الصبا إلي النّضج) عن إمرأةٍ ناضجة، تحيا في بيئة قمعيّة.
عن الجارديان