فهمى هويدى يكتب | اتقوا دعوة المظلوم
أبو عبيدة الليبى متورط فى تفجير مديرية أمن القاهرة. كان ذلك هو العنوان الذى أورده موقع جريدة «الوطن» صباح يوم الاثنين 27/1. وتحت العنوان تقرير ذكرت مقدمته أن رئيس غرفة ثوار ليبيا وصل إلى مصر منذ أسبوعين، وأجرى اتصالاته بقيادات إخوانية. وأنه يشرف على تدريب إرهابيين بدعم قطرى، ونقل التقرير عن مصدر أمنى «مطلع» قوله إن الأجهزة الأمنية تتحرى حاليا عن ملابسات تورطه فى سلسلة التفجيرات الأخيرة فى القاهرة، بعد ورود معلومات لجهة سيادية تشير إلى علاقته بتلك التفجيرات، وقد أكد المصدر أن جهة سيادية رصدت علاقة وثيقة بين أبوعبيدة الذى ألقى القبض عليه ليلة وقع تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة وبين قيادات إخوانية، وأشارت تلك المصادر إلى علاقات مع قيادات جهادية تنتمى لجماعات الفرقان وأنصار بيت المقدس فى مطروح وسيناء وليبيا. كما ذكرت أن جهة سيادية كانت تتعقبه منذ وصوله بعدما تأكدت من علاقاته بتلك الجماعات ومساعدته فى التخطيط وتقديم الدعم الفنى للعناصر المنفذة لتفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية وحادث تفجير مبنى المخابرات الحربية بإنشاص، فى الوقت ذاته ذكر المصدر أن أبوعبيدة كان يشرف على تدريب عناصر تكفيرية من جنسيات ليبية ومصرية وسودانية بدعم من الحكومة القطرية، مشيرا إلى أن وصوله قبل أسبوعين فى الاحتفال بذكرى 25 يناير كان للإشراف على سلسلة من الهجمات الإرهابية والاغتيالات ووضع خطة اقتحام أقسام الشرطة والسجون. وقد أجرى لهذا الغرض اتصالات مع قيادات جماعة بيت المقدس فى سيناء بالإضافة إلى قيادات إخوانية فى التنظيم الدولى وآخرين داخل البلاد بهدف تطوير خطط مهاجمة المنشآت والتركيز على إلحاق أكبر قدر من الخسائر فى صفوف قوات الشرطة والجيش.
فى اليوم ذاته (الاثنين) نشرت جريدة «الأهرام» تقريرا فى ذات الاتجاه تحت العنوان التالى: إخوان ليبيا يدعمون الإرهابيين فى مصر بالسلاح والذخيرة. ومما أضافه التقرير إلى ما سبق أن أبوعبيدة الليبى يواجه بتهمة الاجتماع بأعضاء التنظيم الإرهابى فى مصر، بعد ان تسلل إليها ومعه 15 إرهابيا تلقوا تدريبا مكثفا فى أحد معسكرات القاعدة على الحدود الشرقية الليبية. ولإثراء الموضوع استطلعت الزميلة التى كتبت التقرير رأى واحد ممن يوصفون بأنهم خبراء استراتيجيون، فأمـّن الرجل على المعلومات التى ذكرتها وقال ان هناك تنسيقا بين إخوان ليبيا ونظرائهم فى مصر من خلال إمدادهم بالسلاح والذخيرة. لكنه طمأن القراء إلى أن مثل هذه التحركات مرصودة ومكشوفة لدى الأمن المصرى. وفى تعليق لخبير آخر من نفس النوعية قال وجود أبوعبيدة يمثل تهديدا للأمن القومى المصرى ومن الطبيعى أن يقدم للمحاكمة.
شاء ربك ان تنشر صحيفة «الشروق» تقريرا فى صباح اليوم ذاته أفسد الطبخة وقلب الطاولة على الجميع. إذ ذكر أن أبوعبيدة ــ اسمه الأصلى شعبان مسعود خليفة ــ (قال السفير الليبى إنه جاء إلى مصر للعلاج) كان قد دخل البلاد بتأشيرة صحيحة. وأنه يمتلك شقة بالإسكندرية التى اعتقل فيها. وأنه زار معرض القاهرة للكتاب، وكان يتردد على مدينة البعوث الإسلامية لتلقى بعض الدروس الدينية. الأمر الذى نسف كل ما نشر على لسان المصادر المطلعة والأجهزة الأمنية والسيادية. وما تورط فيه جهابذة الخبراء الاستراتيجيين. الذين ادعى أحدهم أن كل تحركات الرجل كانت مكشوفة ومرصودة!
ما حدث تفسيره بسيط للغاية، حين ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الرجل، اشتغلت ماكينة التلفيق الموصولة بالمنابر الإعلامية التى اتهمته بالضلوع فى أخطر الجرائم الإرهابية التى وقعت فى مصر وربطت بينه وبين الجماعات الجهادية والتنظيم الدولى والمؤامرة القطرية، الأمر الذى يسوغ سجنه وإعدامه أو نفيه إلى سجن جوانتانامو. ولكن حين تم احتجاز بعض العاملين فى السفارة المصرية بطرابلس، لم يكن هناك مفر من سحب كل الاتهامات التى تم تلفيقها ونسبت إلى الرجل، والاعتراف بأنه لم يكن متسللا ولكنه دخل إلى مصر بتأشيرة صالحة، وله بيت فى الإسكندرية ولم يقابل أحدا مما «أكدت» المصادر السيادية والمطلعة أنه تآمر معهم على التخريب وإثارة الفوضى فى البلد.
ليس عندى أى دفاع عن الرجل ولا عن اختطاف موظفى السفارة المصرية فى طرابلس، وان كنت أحمد الله على أن الأمر مر بسلام وعاد كل منهم إلى بلده وأهله. إلا أن السؤال الذى تثيره القضية هو: كم عدد الأبرياء الذين لفقت لهم تهم مماثلة ألقوا بسببها فى السجون فدمرت حياتهم وبيوتهم دون أن تضطر الأجهزة الأمنية إلى مراجعة أوضاعهم ورفع الظلم عنهم. ما أعرفه أن آلافا من الشبان والفتيات الذين اكتظت بهم السجون هم ضحايا ماكينة التلفيق والأبواق الإعلامية التابعة لها، التى ما برحت تعمل ليل نهار طوال الأشهر الستة الماضية. والمحامون يتحدثون فى دهشة بالغة عن تهمة جاهزة باتت تنسب إلى أى شاب أو فتاة يلقى القبض عليه فى مظاهرة أو مقهى. ذلك أنه باسم الحرب على الإرهاب والحفاظ على النظام العام أصبح المئات يعتقلون فى كل مناسبة حتى امتلأت بهم معسكرات الأمن المركزى، وتحدث البعض عن تكديسهم فى أبنية المدارس. ويلفت النظر فى هذا الصدد أن رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور قال فى خطابه الذى ألقاه يوم الأحد 26/1 أنه «ناشد» النائب العام مراجعة حالات المعتقلين والإفراج عن لم يثبت ارتكابهم أفعالا يجرمها القانون. خصوصا طلاب الجامعات. واعتبر ذلك مكرمة منه رغم ان اطلاق سراح الأبرياء لا يحتاج إلى مناشدة، ورغم ذلك فإننا نكتشف أننا بحاجة إلى التذكير بهذه البديهية محذرين من الفضيحة ان لم يكن فى الدنيا ففى الآخرة. وفى الحديث النبوى أن: اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب.