مجموعة سعودي القانونية

فهمى هويدى يكتب | بلاغ فى جريمة أفدح

فهمى-هويدى

هذه قصة شديدة الحساسية لا ينبغى السكوت عليها، الحساسية راجعة إلى أن طرفيها طالبة جامعية وأم، تعرضت لاغتصاب كامل من ضابط شرطة فى مدرعة تابعة لوزارة الداخلية. الطالبة دمرت حياتها والضابط مطلق السراح. والأطراف الوسيطة التى يفترض أن تحقق فى الأمر يتراوح موقفها بين المماطلة والتسويف والتستر، ذلك أن وجود ضابط شرطة فى القصة ظل يشكل مانعا دون المضى فى التحقيق والتحرى، سواء للتثبت من الوقائع أو المضى فى إجراءات سير العدالة.
القصة ظلت طى الكتمان طوال ستة أشهر تقريبا، ولم تتحرك إلا فى أعقاب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للسيدة التى تعرضت للتحرش فى ميدان التحرير، أثناء إقامتها فى المستشفى. وهى زيارة رد الاعتبار التى شجعت الأسرة ومحامى الفتاة على التقدم ببلاغ إلى النيابة لإنصاف الطالبة والتحقيق فيما جرى، لأن حالتهم كانت أفظع وأبشع كثيرا مما جرى لسيدة ميدان التحرير.
خلاصة القصة أن (ن.أ) طالبة السنة الأولى بكلية الدراسات الإسلامية فى جامعة الأزهر، كان قد ألقى القبض عليها أثناء إحدى حملات التصدى لمظاهرات طلاب الأزهر، ضمن عمليات القبض العشوائى التى راح ضحيتها كثيرون. ورغم أنها لم تكن لها علاقة لا بالمظاهرة ولا بالإخوان، إلا أنها أقحمت مع آخرين (أكثر من 60 طالبا وطالبة) فى واحدة من القضايا التى ترتب بسرعة للمتظاهرين، وتتهمهم بقائمة طويلة من التهم التى تبقيهم قيد الاحتجاز لأطول مدة ممكنة. صاحبتنا لها طفل رضيع كان يؤتى به إليها فى قسم الشرطة لتطعمه، ولكن الطفل ساءت حالته وعرض أمرها على النيابة التى أمرت بإخلاء سبيلها تقديرا لظروفها، إلى حين تحديد موعد لنظر القضية.
عادت الطالبة إلى كليتها فى حين أن الاضطرابات لم تكن قد توقفت فى جامعة الأزهر، وأثناء خروجها من الامتحان يوم 28 ديسمبر الماضى شاهدت ضابطا يعتدى على زميلة لها ويجذبها من ثديها، فقالت له إنه إذا أراد أن يقبض عليها فليسحبها من يدها ولا يلجأ إلى هذا الأسلوب، فما كان من الضابط، إلا أن نهرها وسبها بألفاظ بذيئة. فردت عليه قائلة إن ما يفعله ليس من الرجولة فى شىء. حينئذ غضب الضابط وترك زميلتها، ثم اتجه نحوها قائلا إنه سوف يثبت لها رجولته. وحينذاك انهال عليها بالضرب، ثم أمر جنوده بحملها إلى المدرعة التى كانت واقفة بين كليتى الدراسات الإسلامية والصيدلة. وحين أوصلوها إلى المدرعة كان غطاء رأسها قد سقط كما تمزقت ثيابها. وهناك طرحها الضابط أرضا واستعرض رجولته أمامها، ثم اغتصبها وتركها وهى تتقيأ دما.
عادت الطالبة إلى بيت أبيها، وهى ذاهلة ومدمرة. وتحولت منذ ذلك الحين إلى بقايا امرأة. رفضت أن تعود لزوجها، وأصبحت تخاف من أبيها ومن طفلها. وبعد مضى بعض الوقت تحدثت إلى أمها بما جرى لها، فسارعت الأم باكية إلى المحامى الأستاذ أحمد سيف الإسلام حماد الذى نصحها بالتزام الصمت. وكانت وجهة نظره أن العدالة الراهنة فى مصر لن تنصفها. ومن ثم فإنها لن تجنى من أى بلاغ تقدمه سوى الفضيحة، وستكون الابنة هى الضحية. كان ذلك قبل حلول يوم 30 مايو الذى خرج فيه البعض إلى ميدان التحرير، ووقعت فيه حادثة التحرش الشهيرة التى دفعت الرئيس السيسى إلى زيارة الضحية والاعتذار لها. وقد اعتبر المحامى أن الزيارة محملة برسالة إيجابية أعطته أملا فى رد الروح إلى الطالبة المدمرة بإنصافها، وإشاعة ذلك الأمل لدى أمثالها ممن تعرضن للاغتصاب، وقد يعنى لأهاليهن أن بوسعهم الحصول على حقهم واسترداد اعتبارهم، دون أن يضطروا للجوء إلى وسائل أخرى. لم يكن طريق البلاغ سالكا؛ لأن عقبات عدة وضعت فى طريقه لصرف النظر عن الموضوع. وكان أحد أهم تلك العقبات أن بين رجال النيابة من رفض النظر فى البلاغ قبل ذكر اسم الضابط المغتصب كاملا فيه. وظل ذلك متعذرا؛ لأن الموقف على جملته لم يكن يسمح للتعرف على الاسم، فى حين أن ثمة قرائن عديدة متوفرة لدى وزارة الداخلية توفر تلك المعلومة بسهولة بالغة.
بعد جهد بدأ التحقيق فى الموضوع أمس الأول (السبت 5/7)، وبعد الاستماع إلى أقوال طالبة جامعة الأزهر قرر رئيس النيابة مطالبة وزارة الداخلية بأسماء من كان موجودا من الضباط فى مكان الحادث يوم 28 ديسمبر الماضى. وإلى أن يسفر التحقيق عن شىء فإننى أسجل عدة ملاحظات هى: أن ما ذكرته هو أقوال الضحية ومحاميها، والقصة كلها مسجلة وموجودة على اليوتيوب، ولا سبيل إلى التعرف على الحقيقة إلا بالاستماع إلى شهادة الطرف الآخر. كما أننى أتمنى أن تتعاون الداخلية مع جهة التحقيق فى الموضوع، لأن التهمة موجهة إلى ضابط فى الشرطة، وليس كل الشرطة التى من مصلحتها أن تطهر صفوفها من مثل تلك النماذج والسلوكيات، ثم إننا لا بد أن نستغرب سكوت جامعة الأزهر ووقوفها متفرجة على ما جرى، وقبل ذلك كله وبعده فإن موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى ينبغى أن يسترشد به فى التعامل مع الموضوع؛ لأن اغتصاب ضابط شرطة لطالبة جامعية أفدح كثيرا من تحرش مجموعة من العاطلين والبلطجية بسيدة فى ميدان التحرير. وجرم الأول أضعاف جرم الأخيرين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *