مجموعة سعودي القانونية

فهمى هويدى يكتب | حظ مصر من رياح التهدئة المحيطة

فهمى-هويدى

ثمة أجواء للتهدئة لاحت بوادرها فى الفضاء العربى مؤخرا، لا يعرف نصيب مصر منها.

(1)

يوم الخميس 17/4 عقد وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجى اجتماعا طارئا فى قاعدة الرياض الجوية، أعلن فى أعقابه انه تم الاتفاق «على تبنى الآليات التى تكفل السير فى إطار جماعى، ولئلا تؤثر سياسات أى من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دولة، دون المساس بسيادة أى من دولة».

هذه العبارة الانشائية الفضفاضة لم تعلن خبرا جديدا، وانما كانت صياغتها هى الخبر كما ان ملابسات الاجتماع كانت بمثابة خبر آخر. إذ المعروف ان مجلس التعاون الخليجى اهتز وأوشك على الانقسام والانهيار حين أعلنت ثلاث من دوله (السعودية والإمارات والبحرين) فى 5 مارس الماضى سحب سفرائها من قطر، لأسباب عدة على رأسها موقف الأخيرة من النظام المصرى الذى استجد بعد الثالث من يوليو 2013، ولأنها كانت خطوة غير مسبوقة فى تاريخ مجلس التعاون، فقد اعتبرت إشهارا لانقسام المجلس، وبداية لحرب دبلوماسية باردة فى منطقة الخليج. وهو ما دفع عقلاء المنطقة إلى محاولة احتواء الموقف وانقاذ المجلس من الانهيار، الأمر الذى تبدى فى المساعى الكويتية والعمانية التى أثمرت ترتيب الاجتماع المذكور.

الصيغة التى صدر بها البيان فتحت الباب واسعا للتكهنات. فمن قائل بأن قطر استشعرت الأزمة وأدركت انها أصبحت فى خطر، ومن ثم فإنها «تجرعت السم» ــ كما قيل ــ واستجابت لكل ما طلب منها. سواء فيما خص وقف نشاط الإخوان وترحيل رموزهم، أو تعديل سياسة قناة الجزيرة، أو إغلاق بعض المراكز البحثية التى أقلقت انشطتها الدول التى سحبت سفراءها من الدوحة. بالمقابل كانت هناك وجهة نظر أخرى اعتبرت ان قطر لم تقدم تنازلا وانما تمسكت بأن سياستها الخارجية مسألة سيادية ليس لأحد ان يتدخل فيها طالما انها لا تؤثر على أى دولة فى مجلس التعاون. وسمعت من بعض المطلعين على ما يجرى فى الكواليس أن الشأن المصرى الذى كان موضوع الخلاف الأساسى لم يناقش فى الاجتماع. حتى مسألة وجود معارضين للنظام المصرى فى الدوحة لم يجر أى نقاش حوله، لان دولة الإمارات ــ وإمارة أبوظبى بوجه أخص ــ تأوى معارضين ومحرضين على بعض الأنظمة العربية ولم يثر ذلك حفيظة أو عتاب أى من دول الخليج. حيث أشير فى هذا الصدد إلى وجود محمد دحلان المشتبك مع أبومازن، ومحمود جبريل أحد معارضى النظام الليبى، والفريق أحمد شفيق الذى عارض حكم الدكتور مرسى وله تحفظاته المعلنة على ترشيح المشير السيسى. كما أشير إلى دور أبوظبى فى مساندة الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح الذى طالما هدد قطر واتهمها بزعزعة الاستقرار فى اليمن.

لقد صرح وكيل وزارة الخارجية الكويتية بأن الأزمة انتهت، وهو أمر لم يتأكد بدليل أن السفراء الذين سحبوا من الدوحة لم يعودوا إلى أعمالهم. لذلك أرجح القول بأن الأزمة هدأت فقط ولم تنته. وان الجليد انكسر ولم يذب تماما. وذلك هو التفسير الوحيد لدعوة وزراء خارجية دول مجلس التعاون لاجتماع طارئ بعد 42 يوما من سحب السفراء من الدوحة. وفى حين كان بيان سحب السفراء الذى صدر فى 5 مارس الماضى شديدا فى اتهام قطر والتنديد بموقفها فإن البيان الأخير الذى صدر فى 17 أبريل أبرز أهمية السير فى إطار جماعى وتحدث عن عدم المساس بسيادة أى دولة خليجية. وفى كل الأحوال فالقدر المتفق عليه ان مؤشرات الأزمة الخليجية فى الوقت الراهن تراجعت، بحيث لم تعد بذات الحدَّة التى كانت عليها قبل أربعين يوما.

(2)

رياح التهدئة حطت أيضا فى غزة. إذ أعلن فى 23 أبريل الحالى عن توقيع اتفاق جديد للمصالحة تم التوصل إليه إثر اجتماعات استمرت يومين فى القطاع بين وفد منظمة التحرير برئاسة عزام الأحمد ووفد قيادة حماس برئاسة إسماعيل هنية رئيس الوزراء. الاتفاق نص على ثلاثة أمور هى: تشكيل حكومة توافق وطنى برئاسة محمود عباس خلال خمسة أسابيع ــ إجراء انتخابات المجلس التشريعى والوطنى مع انتخابات رئاسة السلطة الوطنية بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة ــ عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية لتمارس عملها خلال خمسة أسابيع من توقيع الاتفاق.

الاتفاق بدوره كان مفاجئا، ذلك ان المتابعين للشأن الفلسطينى صاروا يعتبرون أمثال تلك الحوارات والاتفاقات من تجليات الفشل المزمن. إذ منذ حوارات ياسر عرفات مع الفصائل والقوى الفلسطينية فى القاهرة عام 1999 وحتى تفاهمات خالد مشعل مع محمود عباس فى القاهرة عام 2013 فإن كل اتفاق تم التوصل بين هذين التاريخين لم ينجح فى رأب تصدعات الصف الفلسطينى. أتحدث عن وثيقة أغسطس 2002 واتفاق رام الله فى 2003 وإعلان القاهرة فى 2005 ووثيقة الوفاق الوطنى فى 2006 ثم اتفاق مكة بين فتح وحماس فى 2007 واتفاق صنعاء فى 2008 وتفاهمات القاهرة فى عامى 2009 و2011، ثم إعلان الدوحة للمصالحة فى 2012 الذى اعقبته تفاهمات أخرى فى القاهرة عام 2013 ــ رغم تلك المحاولات والجهود فإن المصالحة الحقيقية لم تتم، حتى بدا وكأن الانقسام تحول إلى «عاهة» أصابت الجسم الفلسطينى وأصبحت لصيقة به.

لم يكن ذلك التاريخ الحافل بالفشل مفاجئا لأسباب عدة أهمها ان التناقض فى الصف الفلسطينى كان مما يتعذر تجاوزه. ذلك انه ظل طول الوقت بين المقاومة والمساومة، وبين التعلق بالحلم الفلسطينى والقبول بأى قدر متاح من ذلك الحلم على الأرض، حتى وان كان شكليا ووهميا.

ما الذى جد هذه المرة وحرك ملف المصالحة؟ فى رأى خبراء الشأن الفلسطينى فإن انسداد الأفق أمام الطرفين هو الذى دفعهما إلى الاتفاق. ذلك ان أبومازن تيقن من ان المفاوضات مع الإسرائيليين لن تعطيه شيئا وانها مجرد غطاء لابتلاع الأرض وتصفية القضية. بالمقابل فإن حماس أدركت ان الأوضاع فى قطاع غزة غير قابلة للاستمرار، فى ظل استمرار الحصار وإغلاق الانفاق مما أدى إلى مضاعفة معاناة الفلسطينيين وعذاباتهم. وإزاء تعلل الإسرائيليين بالانقسام والادعاء بأن أبومازن لا يمثل الشعب الفلسطينى فى المفاوضات، فلم يكن هناك من مخرج سوى إعلان المصالحة وطى صفحة الانقسام، حتى إشعار آخر على الأقل.

تعددت أصداء الاتفاق. فحركة حماس ومؤيديه رأوا فيه ايجابيات أهمها أنه بداية لطى صفحة الانقسام ومن ثم تخفيف معاناة سكان القطاع، كما انه نص على رفض الاعتراف بيهودية الدولة الفلسطينية. ومعارضو الاتفاق ومنهم تنسيقية العمل الفلسطينى بمصر، رأوا فيه مغامرة تضر بمستقبل العمل الوطنى الفلسطينى لانه يخضع الوضع الفلسطينى برمته لسياسة أبومازن وسلطاته المطلقة التى يتمتع بها فى ظل شغله لـ35 موقعا قياديا فى السلطة. ثم انه فى جوهره يقسم السلطة بين حركتى فتح وحماس، ويتجاهل بقية الفصائل. وجاءت تصريحات أبومازن المتعجلة التى أعلن فيها بعد إذاعة خبر الاتفاق بأنه لن يغير شيئا من سياسته بما فى ذلك تعاونه الأمنى مع إسرائيل. وأغلب الظن أنه أراد بذلك ان يمتص غضب الأمريكيين وحلفائهم الغربيين الذين أغضبهم ما جرى، إلا أن كلامه جاء مؤيدا لانتقادات المعارضين.

لا استبعد ان يلقى الاتفاق مصير سابقيه، إلا اننى أراه واردا فى السياق الذى نحن بصدده، من حيث انه فى حده الأدنى من مؤشرات التهدئة وتجلياتها.

(3)

يوم الأربعاء الماضى 24/4 كانت أخبار الانفراج فى العلاقات المصرية الأمريكية هى العنوان الرئيسى لأغلب الصحف المصرية. إذ أبرزت تلك الصحف أخبار تسليم طائرات الآباتشى لمصر، بعدما ظلت معلقة فى الولايات المتحدة لبعض الوقت. كما تحدثت عن زيارات ولقاءات لبعض المسئولين المصريين (وزير الخارجية ورئيس المخابرات ومستشار الرئيس) مع نظرائهم فى واشنطن. كما أشارت الصحف إلى التصريحات الايجابية التى أدلى بها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى مخاطبته للكونجرس بخصوص مصر ودورها. وذكرت ان اتصالات جرت بين وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل ونظيره المصرى الفريق صدقى صبحى أبلغه خلاله بقرار استئناف إرسال بعض المعونات العسكرية لمصر.. صحيح ان واشنطن بررت قرارها بأن تسليم طائرات «آباتشى» يساعد السلطات المصرية على مواجهة الإرهابيين فى سيناء ومن ثم يسهم فى تحقيق أمن إسرائيل، كما انها أقدمت على تلك الخطوة تأثرا بالضغوط التى مارستها إسرائيل والمملكة السعودية والكونجرس. (كما ذكرت افتتاحية نيويورك تايمز فى 24/4) إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة التوجه الأمريكى نحو التهدئة مع النظام القائم فى مصر, الخطوة كان لها صداها الواضح فى التصحريات الرسمية وفى وسائل الإعلام المصرية. فلقاءات وزير الخارجية السيد نبيل فهمى فى واشنطن ركزت على أهمية تعزيز نقاط الاتفاق مع واشنطن وحسن إدارة ما يطرأ عليها من اختلافات أو تباين فى وجهات النظر (الأهرام 24/7) فى الوقت ذاته فإن وسائل الإعلام توقفت عن الحديث عن عداء الإدارة الأمريكية وتآمرها على مصر والتنسيق بينها وبين التنظيم الدولى للإخوان. إلى غير ذلك من القرائن الدالة على زوال «السحابة» التى لاحت فى أفق العلاقات مع مصر. وقد وصفتها بأنها سحابة لأن علامات التوتر التى برزت بين البلدين بعد الثالث من يوليو لم توقف التعاون الاستراتيجى بين البلدين. وهو ما تشهد به بيانات وزارة الدفاع الأمريكية التى ذكرت أن وزير الدفاع الأمريكى أجرى 31 اتصالا خلال تلك الفترة مع الفريق السيسى حين كان وزيرا للدفاع، بمعدل اتصال كل ستة أيام تقريبا.

(4)

أحد الأسئلة التى تثيرها هذه الخلفية هو: هل يمكن ان يكون لتلك التهدئة صداها فى الوضع الداخلى فى مصر؟ ــ ردى انه من الصعب الرد بالايجاب على السؤال فى الوقت الراهن لعدة أسباب. من ناحية لأن حسابات المصالح والضرورات التى استدعت التهدئة فى النماذج السابقة لا تتوفر فى الحالة المصرية. ومن ناحية ثانية لأن أجواء الانتخابات الرئاسية تستأثر باهتمام السلطة فى الوقت الراهن. وإلى نهاية العام الحالى سيظل الرئيس المنتخب مشغولا بترتيب أوضاع الداخل. إذ يفترض ان يتخير الرئيس الفريق العامل معه ثم تجرى الانتخابات البرلمانية بعد ذلك، ثم تشكل حكومة جديدة. وهو ما يعنى ان ماكينة السياسة لن تعود للعمل فى مصر قبل بداية العام الجديد (2015). من ناحية ثالثة، ليس واضحا بالضبط مدى استعداد الرأي العام فى مصر للدخول فى طور التهدئة فى ظل استمرار التوتر القائم، خصوصا ان النخب الطافية على السطح والقوى وشبكات المصالح التى تساندها تبدى معارضة قوية للسير فى ذلك الاتجاه. وتفضل استمرار الحرب الأهلية الراهنة إلى أجل مفتوح. وإذا صح ذلك فإن عودة الاستقرار السياسى إلى مصر ستظل مؤجلة إلى العام المقبل أو الذى يليه.

استوقفتنى التغريدات التى علقت على المصالحة التى جرى بثها تليفزيونيا بين مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك والمعلق الرياضى أحمد شوبير. إذ تفاءل البعض بها واعتبروها مقدمة للمصاحلة الوطنية. وتوقع آخرون أن تكون الخطوة التالية هى اتمام المصالحة بين الفنانين المتنازعين أمام المحاكم زينة وأحمد عز. أضحكتنى التعليقات والصور، لكنه كان ضحكا كالبكاء.

ثمة أجواء للتهدئة لاحت بوادرها فى الفضاء العربى مؤخرا، لا يعرف نصيب مصر منها.

(1)

يوم الخميس 17/4 عقد وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجى اجتماعا طارئا فى قاعدة الرياض الجوية، أعلن فى أعقابه انه تم الاتفاق «على تبنى الآليات التى تكفل السير فى إطار جماعى، ولئلا تؤثر سياسات أى من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دولة، دون المساس بسيادة أى من دولة».

هذه العبارة الانشائية الفضفاضة لم تعلن خبرا جديدا، وانما كانت صياغتها هى الخبر كما ان ملابسات الاجتماع كانت بمثابة خبر آخر. إذ المعروف ان مجلس التعاون الخليجى اهتز وأوشك على الانقسام والانهيار حين أعلنت ثلاث من دوله (السعودية والإمارات والبحرين) فى 5 مارس الماضى سحب سفرائها من قطر، لأسباب عدة على رأسها موقف الأخيرة من النظام المصرى الذى استجد بعد الثالث من يوليو 2013، ولأنها كانت خطوة غير مسبوقة فى تاريخ مجلس التعاون، فقد اعتبرت إشهارا لانقسام المجلس، وبداية لحرب دبلوماسية باردة فى منطقة الخليج. وهو ما دفع عقلاء المنطقة إلى محاولة احتواء الموقف وانقاذ المجلس من الانهيار، الأمر الذى تبدى فى المساعى الكويتية والعمانية التى أثمرت ترتيب الاجتماع المذكور.

الصيغة التى صدر بها البيان فتحت الباب واسعا للتكهنات. فمن قائل بأن قطر استشعرت الأزمة وأدركت انها أصبحت فى خطر، ومن ثم فإنها «تجرعت السم» ــ كما قيل ــ واستجابت لكل ما طلب منها. سواء فيما خص وقف نشاط الإخوان وترحيل رموزهم، أو تعديل سياسة قناة الجزيرة، أو إغلاق بعض المراكز البحثية التى أقلقت انشطتها الدول التى سحبت سفراءها من الدوحة. بالمقابل كانت هناك وجهة نظر أخرى اعتبرت ان قطر لم تقدم تنازلا وانما تمسكت بأن سياستها الخارجية مسألة سيادية ليس لأحد ان يتدخل فيها طالما انها لا تؤثر على أى دولة فى مجلس التعاون. وسمعت من بعض المطلعين على ما يجرى فى الكواليس أن الشأن المصرى الذى كان موضوع الخلاف الأساسى لم يناقش فى الاجتماع. حتى مسألة وجود معارضين للنظام المصرى فى الدوحة لم يجر أى نقاش حوله، لان دولة الإمارات ــ وإمارة أبوظبى بوجه أخص ــ تأوى معارضين ومحرضين على بعض الأنظمة العربية ولم يثر ذلك حفيظة أو عتاب أى من دول الخليج. حيث أشير فى هذا الصدد إلى وجود محمد دحلان المشتبك مع أبومازن، ومحمود جبريل أحد معارضى النظام الليبى، والفريق أحمد شفيق الذى عارض حكم الدكتور مرسى وله تحفظاته المعلنة على ترشيح المشير السيسى. كما أشير إلى دور أبوظبى فى مساندة الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح الذى طالما هدد قطر واتهمها بزعزعة الاستقرار فى اليمن.

لقد صرح وكيل وزارة الخارجية الكويتية بأن الأزمة انتهت، وهو أمر لم يتأكد بدليل أن السفراء الذين سحبوا من الدوحة لم يعودوا إلى أعمالهم. لذلك أرجح القول بأن الأزمة هدأت فقط ولم تنته. وان الجليد انكسر ولم يذب تماما. وذلك هو التفسير الوحيد لدعوة وزراء خارجية دول مجلس التعاون لاجتماع طارئ بعد 42 يوما من سحب السفراء من الدوحة. وفى حين كان بيان سحب السفراء الذى صدر فى 5 مارس الماضى شديدا فى اتهام قطر والتنديد بموقفها فإن البيان الأخير الذى صدر فى 17 أبريل أبرز أهمية السير فى إطار جماعى وتحدث عن عدم المساس بسيادة أى دولة خليجية. وفى كل الأحوال فالقدر المتفق عليه ان مؤشرات الأزمة الخليجية فى الوقت الراهن تراجعت، بحيث لم تعد بذات الحدَّة التى كانت عليها قبل أربعين يوما.

(2)

رياح التهدئة حطت أيضا فى غزة. إذ أعلن فى 23 أبريل الحالى عن توقيع اتفاق جديد للمصالحة تم التوصل إليه إثر اجتماعات استمرت يومين فى القطاع بين وفد منظمة التحرير برئاسة عزام الأحمد ووفد قيادة حماس برئاسة إسماعيل هنية رئيس الوزراء. الاتفاق نص على ثلاثة أمور هى: تشكيل حكومة توافق وطنى برئاسة محمود عباس خلال خمسة أسابيع ــ إجراء انتخابات المجلس التشريعى والوطنى مع انتخابات رئاسة السلطة الوطنية بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة ــ عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية لتمارس عملها خلال خمسة أسابيع من توقيع الاتفاق.

الاتفاق بدوره كان مفاجئا، ذلك ان المتابعين للشأن الفلسطينى صاروا يعتبرون أمثال تلك الحوارات والاتفاقات من تجليات الفشل المزمن. إذ منذ حوارات ياسر عرفات مع الفصائل والقوى الفلسطينية فى القاهرة عام 1999 وحتى تفاهمات خالد مشعل مع محمود عباس فى القاهرة عام 2013 فإن كل اتفاق تم التوصل بين هذين التاريخين لم ينجح فى رأب تصدعات الصف الفلسطينى. أتحدث عن وثيقة أغسطس 2002 واتفاق رام الله فى 2003 وإعلان القاهرة فى 2005 ووثيقة الوفاق الوطنى فى 2006 ثم اتفاق مكة بين فتح وحماس فى 2007 واتفاق صنعاء فى 2008 وتفاهمات القاهرة فى عامى 2009 و2011، ثم إعلان الدوحة للمصالحة فى 2012 الذى اعقبته تفاهمات أخرى فى القاهرة عام 2013 ــ رغم تلك المحاولات والجهود فإن المصالحة الحقيقية لم تتم، حتى بدا وكأن الانقسام تحول إلى «عاهة» أصابت الجسم الفلسطينى وأصبحت لصيقة به.

لم يكن ذلك التاريخ الحافل بالفشل مفاجئا لأسباب عدة أهمها ان التناقض فى الصف الفلسطينى كان مما يتعذر تجاوزه. ذلك انه ظل طول الوقت بين المقاومة والمساومة، وبين التعلق بالحلم الفلسطينى والقبول بأى قدر متاح من ذلك الحلم على الأرض، حتى وان كان شكليا ووهميا.

ما الذى جد هذه المرة وحرك ملف المصالحة؟ فى رأى خبراء الشأن الفلسطينى فإن انسداد الأفق أمام الطرفين هو الذى دفعهما إلى الاتفاق. ذلك ان أبومازن تيقن من ان المفاوضات مع الإسرائيليين لن تعطيه شيئا وانها مجرد غطاء لابتلاع الأرض وتصفية القضية. بالمقابل فإن حماس أدركت ان الأوضاع فى قطاع غزة غير قابلة للاستمرار، فى ظل استمرار الحصار وإغلاق الانفاق مما أدى إلى مضاعفة معاناة الفلسطينيين وعذاباتهم. وإزاء تعلل الإسرائيليين بالانقسام والادعاء بأن أبومازن لا يمثل الشعب الفلسطينى فى المفاوضات، فلم يكن هناك من مخرج سوى إعلان المصالحة وطى صفحة الانقسام، حتى إشعار آخر على الأقل.

تعددت أصداء الاتفاق. فحركة حماس ومؤيديه رأوا فيه ايجابيات أهمها أنه بداية لطى صفحة الانقسام ومن ثم تخفيف معاناة سكان القطاع، كما انه نص على رفض الاعتراف بيهودية الدولة الفلسطينية. ومعارضو الاتفاق ومنهم تنسيقية العمل الفلسطينى بمصر، رأوا فيه مغامرة تضر بمستقبل العمل الوطنى الفلسطينى لانه يخضع الوضع الفلسطينى برمته لسياسة أبومازن وسلطاته المطلقة التى يتمتع بها فى ظل شغله لـ35 موقعا قياديا فى السلطة. ثم انه فى جوهره يقسم السلطة بين حركتى فتح وحماس، ويتجاهل بقية الفصائل. وجاءت تصريحات أبومازن المتعجلة التى أعلن فيها بعد إذاعة خبر الاتفاق بأنه لن يغير شيئا من سياسته بما فى ذلك تعاونه الأمنى مع إسرائيل. وأغلب الظن أنه أراد بذلك ان يمتص غضب الأمريكيين وحلفائهم الغربيين الذين أغضبهم ما جرى، إلا أن كلامه جاء مؤيدا لانتقادات المعارضين.

لا استبعد ان يلقى الاتفاق مصير سابقيه، إلا اننى أراه واردا فى السياق الذى نحن بصدده، من حيث انه فى حده الأدنى من مؤشرات التهدئة وتجلياتها.

(3)

يوم الأربعاء الماضى 24/4 كانت أخبار الانفراج فى العلاقات المصرية الأمريكية هى العنوان الرئيسى لأغلب الصحف المصرية. إذ أبرزت تلك الصحف أخبار تسليم طائرات الآباتشى لمصر، بعدما ظلت معلقة فى الولايات المتحدة لبعض الوقت. كما تحدثت عن زيارات ولقاءات لبعض المسئولين المصريين (وزير الخارجية ورئيس المخابرات ومستشار الرئيس) مع نظرائهم فى واشنطن. كما أشارت الصحف إلى التصريحات الايجابية التى أدلى بها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى مخاطبته للكونجرس بخصوص مصر ودورها. وذكرت ان اتصالات جرت بين وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل ونظيره المصرى الفريق صدقى صبحى أبلغه خلاله بقرار استئناف إرسال بعض المعونات العسكرية لمصر.. صحيح ان واشنطن بررت قرارها بأن تسليم طائرات «آباتشى» يساعد السلطات المصرية على مواجهة الإرهابيين فى سيناء ومن ثم يسهم فى تحقيق أمن إسرائيل، كما انها أقدمت على تلك الخطوة تأثرا بالضغوط التى مارستها إسرائيل والمملكة السعودية والكونجرس. (كما ذكرت افتتاحية نيويورك تايمز فى 24/4) إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة التوجه الأمريكى نحو التهدئة مع النظام القائم فى مصر, الخطوة كان لها صداها الواضح فى التصحريات الرسمية وفى وسائل الإعلام المصرية. فلقاءات وزير الخارجية السيد نبيل فهمى فى واشنطن ركزت على أهمية تعزيز نقاط الاتفاق مع واشنطن وحسن إدارة ما يطرأ عليها من اختلافات أو تباين فى وجهات النظر (الأهرام 24/7) فى الوقت ذاته فإن وسائل الإعلام توقفت عن الحديث عن عداء الإدارة الأمريكية وتآمرها على مصر والتنسيق بينها وبين التنظيم الدولى للإخوان. إلى غير ذلك من القرائن الدالة على زوال «السحابة» التى لاحت فى أفق العلاقات مع مصر. وقد وصفتها بأنها سحابة لأن علامات التوتر التى برزت بين البلدين بعد الثالث من يوليو لم توقف التعاون الاستراتيجى بين البلدين. وهو ما تشهد به بيانات وزارة الدفاع الأمريكية التى ذكرت أن وزير الدفاع الأمريكى أجرى 31 اتصالا خلال تلك الفترة مع الفريق السيسى حين كان وزيرا للدفاع، بمعدل اتصال كل ستة أيام تقريبا.

(4)

أحد الأسئلة التى تثيرها هذه الخلفية هو: هل يمكن ان يكون لتلك التهدئة صداها فى الوضع الداخلى فى مصر؟ ــ ردى انه من الصعب الرد بالايجاب على السؤال فى الوقت الراهن لعدة أسباب. من ناحية لأن حسابات المصالح والضرورات التى استدعت التهدئة فى النماذج السابقة لا تتوفر فى الحالة المصرية. ومن ناحية ثانية لأن أجواء الانتخابات الرئاسية تستأثر باهتمام السلطة فى الوقت الراهن. وإلى نهاية العام الحالى سيظل الرئيس المنتخب مشغولا بترتيب أوضاع الداخل. إذ يفترض ان يتخير الرئيس الفريق العامل معه ثم تجرى الانتخابات البرلمانية بعد ذلك، ثم تشكل حكومة جديدة. وهو ما يعنى ان ماكينة السياسة لن تعود للعمل فى مصر قبل بداية العام الجديد (2015). من ناحية ثالثة، ليس واضحا بالضبط مدى استعداد الرأي العام فى مصر للدخول فى طور التهدئة فى ظل استمرار التوتر القائم، خصوصا ان النخب الطافية على السطح والقوى وشبكات المصالح التى تساندها تبدى معارضة قوية للسير فى ذلك الاتجاه. وتفضل استمرار الحرب الأهلية الراهنة إلى أجل مفتوح. وإذا صح ذلك فإن عودة الاستقرار السياسى إلى مصر ستظل مؤجلة إلى العام المقبل أو الذى يليه.

استوقفتنى التغريدات التى علقت على المصالحة التى جرى بثها تليفزيونيا بين مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك والمعلق الرياضى أحمد شوبير. إذ تفاءل البعض بها واعتبروها مقدمة للمصاحلة الوطنية. وتوقع آخرون أن تكون الخطوة التالية هى اتمام المصالحة بين الفنانين المتنازعين أمام المحاكم زينة وأحمد عز. أضحكتنى التعليقات والصور، لكنه كان ضحكا كالبكاء.

اقرأ المزيد هنا: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=29042014&id=a26c5772-5548-4b97-8ca6-4afc18df681e

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *