مجموعة سعودي القانونية

فهمى هويدى يكتب | خوف مستحق على الديمقراطية فى مصر

فهمى-هويدى

                                                                    (1)

يوم الأربعاء الماضى 4/6 اجتمع أعضاء هيئة التدريس بقسم العظام فى كلية طب عين شمس (عددهم نحو 120 طبيبا) لانتخاب رئيس جديد للقسم بعد انتهاء مدة رئاسة الدكتور عبدالمحسن عرفة له. وفيما هم ينتظرون اكتمال العدد تلقوا رسالة أبلغتهم بأن الاجتماع ألغى (حدث ذلك فى طب الإسكندرية أيضا)، لأن انتخابات رؤساء الأقسام والعمداء قد أوقفت، انتظارا لقرار المجلس الأعلى للجامعات بخصوص العودة إلى نظام التعيين مرة أخرى. وكان اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب أحد الانجازات التى ناضل من أجلها أساتذة الجامعات ونجحوا فى تحقيقها بعد ثورة 25 يناير، بحيث استطاعوا فرض تعديل قانون الجامعات لكى يقرر مبدأ الانتخاب. إلا أن وزير التعليم العالى فى الحكومة الحالية، الذى انتخب فى السابق عميدا لكلية الهندسة، صرح بأنه يفضل العودة إلى نظام التعيين، الأمر الذى اعتبره كثيرون تراجعا سلبيا عن فكرة استقلال الجامعات، فضلا عن تعارضه مع نصوص القانون الذى سبق تعديله.

لم يكن سرا أن هذه الخطوة تمت بتوصية أمنية، وأنها إحدى حلقات الاتجاه إلى تأميم الجامعات وبسط سلطة المؤسسة الأمنية عليها. ومعروف أنه فى خطوة سابقة تم الرجوع عن قرار إلغاء الحرس الجامعى الذى كان ثمرة نضال طويل للتيار الوطنى بين الأساتذة، الأمر الذى انتهى بإقامة الحرس داخل حرم الجامعة. وهو ما توازى مع إجراءات أخرى استهدفت قمع الطلاب الناشطين، من خلال فصلهم النهائى من التعليم العالى كله وليس حرمانهم من دخول الامتحان أو حتى فصلهم من كلياتهم وحدها. إضافة إلى تشريد آخرين بطردهم من المدن الجامعية. وهى الإجراءات التى طالت عدة مئات من الطلاب خصوصا الذين اشتركوا منهم فى المظاهرات. وقد قتلت الشرطة أحدهم أثناء وجوده داخل حرم كلية هندسة القاهرة.

                                                                 (2)

فى اليوم التالى لفض اجتماع أطباء العظام فى جامعة عين شمس انتظارا لاستكمال خطوات تأميم الجامعات (الخميس 5/6) أصدر الرئيس المؤقت عدلى منصور قبل مغادرته منصب الرئاسة سبعة قوانين خلال ساعة واحدة بمعدل قانون كل 8 دقائق كما قال موقع مصر العربية. أحد هذه القوانين استهدف تأميم المساجد ونص على ان الخطابة وإلقاء الدروس الدينية فى المساجد والساحات العامة مقصور على خريجى الأزهر المصرح لهم بذلك من وزارة الأوقاف. وليس سرا أن تلك التصريحات لا تصدر إلا بموافقة جهاز الأمن الوطنى.

القانون الذى صدم كثيرين من بين ما أصدره المستشار عدلى منصور قبل رحيله، كان خاصا بمجلس النواب. وقد وصفه الدكتور أحمد عبدربه مدرس العلوم السياسية بأنه «قانون تأميم الحياة السياسية»، وسوف اكتفى فى تقييمه بشهادته التى نشرتها صحيفة التحرير هذا الأسبوع (فى 9/6). إذ ذكر ما نصه: أن صدور القانون يؤكد أن الصقور ما زالوا يهيمنون على عملية صنع القرار فى المطبخ السياسى، وان الأمل فى الإصلاح وفى الإيمان بفكرة البداية الجديدة هو مجرد سراب يداعب الحالمين. ذلك أن قراءة سريعة لأول خمس مواد من القانون، تدرك بعدها فورا أن مصر مقبلة على نية حقيقية ومبيتة لتأميم قواعد اللعب السياسى، وإعادة السياسة إلى حضن الدولة مرة أخرى» ــ مما قاله أيضا أن: القانون صدر للحوار المجتمعى قبل نحو عشرة أيام من إصداره النهائى. وبين الفترتين لم يكن هناك حتى حوار سياسى. ففى حين اعترضت عدة أحزاب سياسية على المشروع فإنه لم يؤخذ برأيها. ولم تتم دعوة معظمها للتفاوض أو حتى للنقاش. بل صدر القانون بشكل أسوأ من نسخته الأولى.

من الملاحظات المهمة التى أبداها الدكتور عبدربه ان القانون انحاز إلى النظام الفردى بشكل فج (شكل نحو 80٪ من المقاعد)، ولم يترك لنظام القائمة سوى 20٪ فقط من المقاعد. وهو منحى خطير، ان تعود إلى نظم مبارك الانتخابية التى تعضد من شبكات المصالح التقليدية وتهمش الأحزاب السياسية، التى تهجر السياسة تدريجيا أو تتحول إلى مجرد دمى متحركة لصالح النظام … (كما) أنها ستسهم فى خلق برلمان مفتت معتمد على كتل هشة تنتج حكومة ضعيفة فى مواجهة السلطة التنفيذية. كما تنتج برلمانا ضعيفا فى مواجهة السلطة ذاتها.

ختم الدكتور عبدربه شهادته بقوله: لا يمكن لمصر أن تستمر بهذه الأوضاع المقلوبة كثيرا، ولا يمكن للصقور الهيمنة على مطابخ السياسة طول الوقت. وإلا سنضيع الفرص الواحدة تلو الأخرى، إلى أن تحين لحظة حساب عسير (انتهى).

                                                                (3)

حين بيَّن مركز «بيو» للدراسات فى استطلاع الرأى الذى أجراه فى مصر أن 54٪ من المصريين يؤيدون إقامة حكومة مستقرة وان 44٪ رأوا العكس، فإنه سلط الضوء على وجه آخر للمشكلة. ذلك أن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن الإجراءات المتخذة، وما سبق ذكره جزء منها، يلقى قبولا من الأغلبية التى لا استبعد أن تكون فى الحدود التى ذكرها استبيان المركز الأمريكى. إذ لا ينكر أحد أن كثيرين حل بهم التعب بعد الذى جرى خلال السنوات الثلاث التى أعقبت الثورة. منهم من أضير اقتصاديا ومنهم من استبد به القلق جراء استمرار المظاهرات ووقوع حوادث العنف إلى جانب الخوف الذى أثارته العمليات الإرهابية، والتعميمات شبه اليومية التى تتحدث عن مؤامرات تدير فى الخارج وخلايا نائمة أو غاشمة تتحرك فى الداخل. وهذا الشعور بالخطر أبرز الحاجة الملحة للأمن، الذى أصبح كثيرون ينشدونه بأى شكل ومن أى باب. ولا غرابة فى ظل وضع بهذه المواصفات التى تفضل الأغلبية وجود حكومة مستقرة وقوية، ولا تكترث كثيرا بضرورة الحكومة الديمقراطية. وهو ما سجله محللو مركز «بيو» للدراسات حين تحدثوا عن تراجع التأييد الشعبى للديمقراطية فى مصر. بعدما لاحظوا انخفاض نسبة المؤمنين بالديمقراطية كأفضل شكل للحكومة إلى 59٪ فى شهر مايو 2014 فى حين أن النسبة كانت 66٪ فى العام الماضى و71٪ فى عام 2011.. فى التعليق على ذلك التراجع ذكر خبراء المركز ان الأغلبية من المصريين تقول إنه من المهم الحياة فى بلد يتمتع بأساسيات الديمقراطية، إلا أن التأييد الشعبى للمكونات الأساسية للنظام الديمقراطى مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والانتخابات النزيهة، تراجع بدرجة ملحوظ خلال العام الحالى (2014).

إذا صح ذلك التحليل فهو يعنى اننا صرنا بإزاء معادلة جديرة بالملاحظة. إذ فى حين تقدم الحكومة على العديد من الإجراءات غير الديمقراطية، من منع المظاهرات إلى تأميم السياسة وتأميم الجامعات والمساجد…الخ، فإن الأغلبية باتت مستعدة لتمرير كل ذلك. أملا فى تحقيق الاستقرار الذى ينشدونه. يؤيد ذلك الاستنتاج اننا صرنا نسمع فى مصر هذه الأيام مديحا للرئيس الأسبق حسنى مبارك بدعوى استقرار عهده، رغم كل ما جرى فى سنواته الثلاثين من فساد وقمع وانهيار فى الخدمات وغرام مع الإسرائيليين وتقزيم للدور المصرى.

                                                               (4)

لا غرابة والأمر كذلك أن يتأجل الحديث فى السياسة فى مصر، وان يحتل الكلام عن الاقتصاد رأس «أجندة» النظام الجديد. إذ تدل مختلف الشواهد على أن الحديث عن الحريات العامة مؤجل إلى وقت غير معلوم، فى حين أن التركيز كله على أزمة الاقتصاد وحلولها المقترحة التى تتجه فيها الأبصار إلى الخارج قبل الداخل. وهو الوضع الذى يريح السلطة الجديدة ويدغدغ مشاعر المأزومين، ناهيك عن أنه يظل مصدر راحة كبرى للدول الخليجية التى ألقت بثقلها المالى إلى جانب النظام الجديد. وهى الدول المعنية بالأعمار والنهوض الاقتصادى، وليس الإصلاح الاقتصادى مدرجا ضمن جدول أعمالها.

ثمة هاجس يلح على فى متابعة المشهد المصرى كتمته طويلا، لكننى لم استطع أن أخفية فى السياق الذى نحن بصدده. ذلك اننى من قراءاتى المتواضعة فى تاريخ النظم السياسية أدركت أن الفاشية ظهرت فى إيطاليا فى ظروف مماثلة لتلك التى نمر بها. ذلك أنها انتشرت هناك بعد الحرب العالمية الأولى (عام 1919) حين خرجت إيطاليا مأزومة سياسيا واقتصاديا، وكانت تبحث عن منقذ يجسد الزعيم القوى الذى يلملم شتاتها ويعيد إلى الدولة عافيتها وإلى السلطة قبضتها وهيبتها التى تعيد بها تنظيم المجتمع وتؤمنه ضد خطر الشيوعية. وهذه الأجواء هى التى جاءت بموسولينى إلى الحكم فى عام 1922. إذ اعتبرته الجماهير ممثلا لكل ذلك، الزعيم المحبوب والقائد المخلص الذى يعول على قوة الجيش وبطش السلطة.

ثمة تفاصيل كثيرة تدخل تحت تلك العناوين التى أهم ما فيها أنها تدق أجراسا تحذرنا من تكرار تجربة موسولينى ومآلاتها. وقد ازداد رنين تلك الأجراس عندى ما قرأته فى عناوين الصحف أمس (الاثنين 9/6) التى وصفت وقائع تسليم السلطة للرئيس الجديد، إذ أخافنى فى تلك العناوين تمجيدها لقبضة وحزم الرئيس المخلِّص وعودة الدولة القوية والسلطة المركزية القادرة. (مواجهة الإرهاب فى زماننا تعادل التصدى للشيوعية فى نظام موسولينى)

أدرى أن بعض الظن إثم كما ذكر القرآن الكريم، لكن التبعيض فى النص يعنى أن ثمة ظنونا أخرى معتبرة وليست مؤثمة. وأرجو أن تكذب الأيام هواجسى، وسأكون سعيدا إذا ثبت أنها تنتمى إلى الظنون الأولى دون الثانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *