مجموعة سعودي القانونية

فهمى هويدى يكتب | رسالة سعودية واجبة القراءة

فهمى-هويدى

لا أعرف كيف قرأت مصر الرسمية إعلان وزير الخارجية السعودى أن بلاده وجهت الدعوة الى وزير خارجية إيران لزيارة الرياض لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا الاقليمية. لكننى ازعم أن ذلك الاعلان يعبر عن تطور مهم فى السياسة الخارجية السعودية، قد يكون له تأثيره فى خرائط العالم العربى وتوازنات المنطقة.

نلاحظ فى هذا الصدد أن الإعلان ورد فى ثنايا الكلمة التى القاها الامير سعود الفيصل فى افتتاح الدورة الاولى لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربى مع دول اسيا الوسطى واذربيجان. ورمزية عقد المنتدى (العربى وليس الخليجى) فى الرياض وتوجهه الى آسيا الوسطى لها دلالتها فى طبيعة الدور الذى تتطلع المملكة للقيام به فى دول المحيط. ثم اننا لا نستطيع أن نتجاهل أن الخطوة تمت فى اعقاب تطورات داخلية مهمة شهدها البيت السعودى، وادت الى احداث تغييرات فى المواقع القيادية التى شملت قطاعات الامن الخارجى والسياسة الداخلية.

كما اننا لا نستطيع ايضا أن نتجاهل أن السعودية ظلت طوال السنوات التى خلت تقود المحور المناوئ لإيران فى العالم العربى. ولئن بدا الامر مفاجئا لنا إلا انه ليس كذلك بالنسبة لأطرافه، فثمة تسريبات تحدثت عن دور للكويت فى مد الجسور بين الطرفين استمر خلال الاشهر الثلاثة الأخيرة. وهى الفترة التى استقبلت فيها طهران سفيرا سعوديا جديدا، تناقلت الصحف ووكالات الانباء نبأ اجتماعه مع الشيخ هاشمى رفسنجانى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الذى يرتبط بعلاقة خاصة مع الملك عبدالله، كما تناقلت صورة السفير وهو يقبل رأس رفسنجانى فى تعبير عن مشاعر المودة المتجددة.

وقد أبرزت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية تصريحات رفسنجانى وكذلك تعليق المتحدث باسم الحكومة الذى ركز على أهمية العلاقة بين طهران والرياض، فى اشارة ضمنية الى ما تمثله الاولى عند الشيعة وما تمثله الثانية فى عالم اهل السنة. وفى رصد الخلفيات ليس بمقدورنا فى الوقت الراهن أن نقدر ما إذا كان التقارب السعودى مع ايران يفتح الباب لاستقطاب فى المنطقة يواجه التقارب او التحالف القطرى التركى، إلا اننا لا نستطيع أن نستبعد تماما هذا العامل ونخرجه من المعادلة. بوسعنا أن نقول أيضا إن مد الجسور بين الرياض وطهران ما كان له أن يلوح فى الافق الا بعد اطمئنان السعودية الى أن التفاهات بين الولايات وايران التى جرت فى سلطنة عمان العام الماضى لن تكون على حساب منطقة الخليج. وأغلب الظن أن هذه الرسالة تلقتها الرياض اثناء زيارة الرئيس الأمريكى للرياض التى تمت فى شهر مارس الماضى، وأكدتها زيارات المسئولين الأمريكيين الآخرين الذين كان فى مقدمتهم وزيرا الخارجية والدفاع.

إذا كانت تلك العوامل كامنة فى خلفية المشهد فإننى ازعم أن ملفات ثلاثة ستكون حاضرة فى لقاء الامير سعود الفيصل مع السيد محمد جواد ظريف وزير خارجية ايران. الأول: ملف العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران. الثانى: يخص علاقات ايران بمنطقة الخليج. الثالث: هو الاكثر تعقيدا، لأنه يتعلق بالدور الإيرانى فى سوريا ولبنان والعراق والبحرين وهى الدول التى تحتفظ طهران بنفوذ قوى فيها، فى حين انها تحتل اهمية خاصة فى الدبلوماسية السعودية، وتعتبرها المملكة وثيقة الصلة بأمنها القومى. ويبدو أن الملف الاخير كان المحرك الاساسى للدعوة التى وجهتها السعودية لوزير خارجية ايران. ذلك أن التفاهم مع إيران بات ضروريا فى مسعى الحل السياسى للأزمة السورية، وفى انتخاب الرئيس اللبنانى الجديد، وفى تخفيف التوتر بين بغداد والرياض إثر تصريحات السيد نورى المالكى الاخيرة التى هاجم فيها السعودية. كما أن ذلك التفاهم مطلوب لتهدئة الموقف المحتقن فى البحرين، وقد يتطرق الى علاقة ايران بالحوثيين ودعم الانفصاليين فى اليمن.

لدى ملاحظتان على هذا المشهد، الاولى تتعلق بتطور الموقف السعودى وتناميه فى الساحة العربية، إذ حين تنجح الرياض فى تجاوز العقد التى اقامت جدرانا عالية حالت دون تفاهم البلدين وتتجه الى تخطى تلك الجدران واقامة جسور مع طهران. فذلك أمر إيجابى لاريب، خصوصا إذا ما أسهم فى حل سياسى بسوريا لا يخذل الشعب السورى. أو ادى الى تهدئة مخاوف الخليج ازاء ايران. كما انه يبطل الزعم القائل بأن مصدر الخطر الذى يهدد العالم العربى هو ايران وليس إسرائيل.

الملاحظة الثانية تتعلق بالموقف المصرى الذى يبدو متراجعا وغائبا من ناحية وغير مفهوم من ناحية أخرى. اذ من الواضح أن الرياض اصبحت اللاعب الأساسى فى المشرق العربى على الاقل. فى حين لم يعُد الدور المصرى مذكورا. ثم انه فى حين تجاوزت الخطوة السعودية العقبات والعقد التى اعترضت علاقتها مع إيران، فإن القاهرة لاتزال اسيرة موقف غير مبرر حال دون تطبيع العلاقات مع طهران منذ قامت الثورة الإسلامية فى عام 1979. ومن المفارقات انه فى الوقت الذى اتجهت السعودية برسالتها الأخيرة إلى إيران لإحداث اختراق دبلوماسى يعزز دورها العربى ويسهم فى تأمين منطقة الخليج. فإن غاية ما فعلته القاهرة انها اعلنت فى شهر مارس الماضى عن تشكيل قوة للتدخل السريع، قيل انها ستكون مستعدة للقيام بواجبها فى المحيط العربى، وفهم انها موجهة ضد ايران ولصالح منطقة الخليج. والمقارنة بين الموقفين تعطى انطباعا بأن الموقف السعودى يتقدم الى الامام وان الموقف المصرى يتراجع الى الوراء.

وإذا ما صح ذلك فإنه يدعو مصر الرسمية الى إعادة تقييم موقفها والمسارعة الى تصحيحه، لأن القطيعة مع طهران اساءت الى مصالح مصر ومكانتها بأكثر مما اضرت بإيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *