فهمى هويدى يكتب | مبروك عليهم
ما عاد سرا أن ثمة ابتهاجا فى بعض الدوائر السياسية العربية المشرقية إزاء الفوز الذى حققه الجمهوريون فى انتخابات التجديد النصفى لأعضاء الكونجرس التى تمت يوم الأربعاء الماضى (5/11)، ذلك انها اسفرت عن بسط الجمهوريين سيطرتهم على المجلسين التشريعيين على نحو أدى إلى تراجع الديمقراطيين ووجه فى الوقت ذاته «صفعة» للرئيس باراك أوباما سوف تحاصره وتضعف وتكبل حركته فى الداخل بوجه أخص. فقد بينت آخر الأرقام المعلنة أن الجمهوريين فازوا بـ52 مقعدا فى مجلس الشيوخ، مقابل 43 للديمقراطيين. وفى مجلس النواب فاز الجمهوريون بـ242 مقعدا مقابل 174 للديمقراطيين. وفى حكم الولايات المتحدة أصبح الجمهوريون يسيطرون على 31 ولاية مقابل 14 فقط للديمقراطيين. وحين يكون الرئيس ديمقراطيا فى حين أن المجلسين التشريعيين يهيمن عليهما حزب منافس وخصم سياسى، فإن إصابته بالشلل السياسى لا يصبح مستغربا، وإذا كان الرئيس أوباما قد وصف بأنه «بطة عرجاء» قبل الانتخابات، حين كانت أغلبية الكونجرس مع الديمقراطيين فى حين سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ، فإنه تحول بعد النتائج الأخيرة فى نظر الجمهوريين إلى «فأر مذعور».
الابتهاج الذى ساد الدوائر سابقة الذكر مرجعه أن الدوائر المشرقية لها وضع شديد الخصوصية فى السياسة الأمريكية. ذلك أن واشنطن تقوم بدور الراعى و«الكفيل» لأنظمة المنطقة بدرجة أو أخرى. كما ان الولايات المتحدة تبادلها المشاعر الدافئة لسببين أساسيين أحدهما وجود النفط فى المنطقة وثانيهما وجود إسرائيل فى قلبها. وقد سمعت من أحد الخبراء وثيقى الصلة بالحلف الأكثر نشاطا فى المشرق قوله إن خبر فوز الجمهوريين لقى ترحيبا فى أوساطه لا يقل عن حفاوتهم بفوز حزب «نداء تونس» وتراجع ترتيب حركة النهضة حين احتلت المركز الثانى وليس الأول فى الانتخابات التشريعية التى جرت أخيرا، وهذه المقابلة تسلط الضوء على السبب الأساسى للحفاوة من جانب الدوائر المشرقية التى أعنيها.
فى ايضاح هذه النقطة تجدر ملاحظة الفوارق بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، التى هى مهمة فى الشأن الداخلى ونسبية فى الشأن الخارجى، فالجمهوريون يعارضون سياسات أوباما الداخلية فى أمور عدة بينها الإصلاح الضريبى والضمان الصحى والطاقة والمهاجرين واقتناء السلاح وغير ذلك من الأمور التى لا تثير اهتمام المواطن العربى. أما الجانب الذى يهمنا فى العالم العربى فهو المتعلق بالسياسة الخارجية والتدخلات الأمريكية فى المنطقة. وتشكل إسرائيل نقطة محورية فى هذه السياسة، ذلك أن الحزبين لا يخفيان انحيازهما إلى إسرائيل من حيث المبدأ، ولكن الخلاف يتركز حول مدى الانحياز وحدوده. ذلك ان الجمهوريين أقرب إلى الليكوديين الإسرائيليين. وكما ذكر زميلنا الأستاذ محمد الشناوى مراسل «الشروق» والباحث المقيم فى واشنطن فإن مفاتيح الحزب موجودة فى أدراج مكاتب منظمة «إيباك» ذات الولاء الصهيونى. ومن أبرز الأصوات المعبرة عن سياساتها النائبة الجمهورية ميشيل باكمان التى تعتبر ان أعداء إسرائيل هم أعداء الولايات المتحدة، وترفض مطالبة أوباما بالعودة إلى حدود ما قبل عام 1967، كما ترفض أى انسحاب من الأراضى المحتلة.
الموضوع الخلافى الآخر بين الجمهوريين والديمقراطيين يتمثل فى الموقف من الربيع العربى ونصيب التيارات الإسلامية منه. ذلك ان الجمهوريين لا يؤيدون أى ديمقراطية فى العالم العربى سواء شارك فيها الإسلاميون أم لم يشاركوا، ويعتبرون أن الديمقراطية تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة، بالمقابل فإن الديمقراطيين يقبلون بفكرة الديمقراطية فى العالم العربى وان كانت بمشاركة الإسلاميين، ولا يعتبرون أن تهديدها للمصالح الأمريكية نتيجة ضرورة أو تلقائية.
هذا الخلاف الأخير بين الطرفين تجلى فى موقف كل منهما إزاء أحداث الثالث من يوليو عام 2013 فى مصر. إذ انقسم الكونجرس بين مجلسيه، وفى التقرير الذى نشرته جريدة «الشروق» (فى 10/10) لزميلنا الأستاذ المنشاوى، ذكر ان مجلس النواب الذى يسيطر عليه الجمهوريون انحاز إلى ادانة الرئيس محمد مرسى وإلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين فيما آلت إليه الأوضاع فى مصر. على العكس جاء مجلس الشيوخ (الذى كان يسيطر عليه الديمقراطيون) ومال فى أغلبه إلى وصف ما جرى فى مصر فى الثالث من يوليو بأنه انقلاب عسكرى صريح، يفترض أن يترتب عليه وقف كامل للمساعدات العسكرية (وفقا للقانون الأمريكى). إزاء ذلك ــ والكلام لايزال لزميلنا الخبير ــ خرج السيناتور باتريك ليهى (ديمقراطى) وهو رئيس لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ بمشروع قرار لوقف المساعدات لمصر، وتمسك أقطاب مجلس الشيوخ بضرورة تطبيق المبادئ الأمريكية، وعليه يتم تلقائيا وقف المساعدات العسكرية عن الجيش المصرى. فى حين حاول أعضاء فى مجلس النواب، ذى الأغلبية الجمهورية التضييق على حركة الرئيس الأمريكى باقتراح تشريع يسمح بالابقاء على المساعدة العسكرية لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار وفقا لعدد من الشروط بينها إعداد الحكومة المؤقتة للانتخابات وإجراؤها بحرية.
هذه الخلفية تشير بوضوح إلى ان الموقف الرافض للربيع العربى وللتيار الإسلامى شكل نقطة توافق أساسية بين الحلف الأبرز فى المشرق العربى وبين الحزب الجمهورى. ولان الحلف المشار إليه اعتبر أن اشتباكه مع تجليات الربيع هو معركته الرئيسية فقد أبدى استعدادا واضحا لغض الطرف عن موقف الحزب الجمهورى من القضية الفلسطينية ومن المخططات الإسرائيلية لقاء كسب معركته الأهم ــ من وجهة نظره ــ التى اعتبرها حربا ضد الإرهاب. وهو ما رحبت به إسرائيل التى اعتبرت نفسها شريكا مع الحلف العربى فى مكافحة الإرهاب، خصوصا حين تعلق الأمر بإحكام الحصار على قطاع غزة باعتباره أحد مصادر الإرهاب.
حين خسر الديمقراطيون أغلبيتهم فى مجلس النواب، وأصبحت اليد العليا للجمهوريين فى المجلسين فقد كان ذلك مصدر سعادة غامرة لإيباك ولرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى اعتبر أوباما خصما له، وابتهج أركان التحالف العربى لان النتيجة خففت من الصداع الذى سببه الديمقراطيون لهم ــ مبروك عليهم.