مجموعة سعودي القانونية

لنوسع دائرة الغضب
فهمى-هويدى

نكره داعش أم نكره الإسلام الذى انتحلوا رايته أم الاستبداد الذى خرجوا من عباءته أم نكره كل القتلة الذين يهدرون حق الناس فى الحياة؟ السؤال يطرحه مسلسل الجرائم البشعة التى ما برحت تصدمنا بين الحين والآخر، والتى كان أحدثها مقتلة باريس التى تباهت بها داعش وأدت إلى قتل 129 إنسانا بريئا. وقبلها بيومين كانت قد ارتكبت جريمة مماثلة فى معقل الشيعة ببيروت، قتل فيها 40 شخصا وجرح 180 وقبل الجريمتين كانت لعناصر داعش مذبحة فى أنقرة قتل فيها مائة تركى، وفى تونس تمثلت فى عمليتين قتل فيهما أكثر من ستين شخصا. أى أن تفجيراتهم استهدفت الأوروبيين والشيعة وضرب اقتصاد مجتمع أهل السنة فى تركيا وتونس. وحتى الآن على الأقل فإن الذى لم يمس من جانبهم هو الولايات المتحدة وإسرائيل.

هذه ملاحظة أولى على المشهد المفجع الذى تابعناه فى باريس وأشرت إلى أنه يمكن أن يقرأ من زوايا عدة مستصحبا العديد من الأسئلة. ولأنه الأحدث والأقوى حضورا فى وسائل الإعلام العالمية فأحسب أنه يستحق منا وقفة خاصة. إذ إن استهداف المدنيين فى بعض الأماكن العامة بباريس يمثل تطورا غير مسبوق وغير مألوف فى مؤشرات عنف الجماعات الإرهابية. ذلك أن عمليات تنظيم القاعدة كان لها منطق من وجهة نظرهم على الأقل ولم نعرف أنهم استهدفوا رواد مطعم أو ملهى أو مشاهدين لمباراة كروية، وإنما لجأوا مثلا إلى توجيه ضرباتهم إلى أهداف رمزية أمريكية مثل برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك أو المدمرة فى عدن أو السفارة الأمريكية فى نيروبى. وهذا التطور يعنى أن التنظيم الجديد أكثر شراسة من سابقه، وهو ما دلت عليه شواهد سابقة تمثلت فى قطع رءوس الضحايا أو التفنن فى إحراقهم. كما تمثلت فى اضطهاد غير المسلمين وإكراههم على تغيير عقائدهم وسبى نسائهم. إلى غير ذلك من القرائن التى تدل على أن ما سمى بالحرب العالمية على الإرهاب التى أعلنت منذ أكثر من عشر سنوات لم تحقق شيئا من نتائجها, لأنها انتهت أو ربما أفضت إلى تصاعد مؤشرات الإرهاب وإفراز أجيال جديدة أشد غلوا وأكثر عنفا.

ونحن نتأمل صدى الحدث فى باريس فلا تفوتنا ملاحظة أن مؤسسات الدولة تصرفت بقدر ملحوظ من المسئولية التى خلت من العصبية أو الهيستريا. إذ رغم فظاعة الحادث فإننا لم نسمع مسئولا تحدث عن المؤامرة أو حرب إسقاط الدولة، وإنما أعطى الموضوع الحجم الذى يستحقه بغير تهويل أو تهوين. فى الوقت ذاته فليس مستغربا أن تتعالى الأصوات الغاضبة التى عبرت عن النفور من الإسلام وأهله، لأن ذلك صدى يعذر الناس العاديون فيه, إذ من حقهم بعد الذى جرى أن يقولوا إنه إذا كان هؤلاء هم جند الإسلام والخلافة كما أعلن بيانهم فإنهم ينبغى أن يقابلوا بالرفض والازدراء.

لا أستغرب أن تتلقف الحدث الأحزاب اليمينية فى فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية بحيث توظفه لصالح مشروعها المعادى للمسلمين والداعى إلى التضييق عليهم وترحيلهم إلى خارج البلاد باعتبارهم يشكلون خطرا يهدد بأسلمة أوروبا. لكن المستغرب والمستهجن حقا كانت التعليقات التى صدرت عن بعض الإعلاميين المصريين الذين تعاملوا مع الحدث ليس باعتباره جريمة ضد الإنسانية أريقت فيها دماء عشرات من الأبرياء، وإنما بقدر من الشماتة.

إننا ونحن نستبشع ما جرى ونعبر عن عزائنا وتضامننا مع الضحايا وذويهم ينبغى أن نوسع الدائرة فننبه إلى أن وحشية داعش لم تأت من فراغ. وإنما هى نتاج وحشية وجبروت النظام البعثى فى العراق وسوريا. بالتالى فإن تمسحهم فى الإسلام واستلهامهم أتعس ما فى الثقافة الإسلامية وتعلقهم بقمامة التاريخ وأحط ما فى الخبرة الإسلامية. تلك كلها مجرد لافتات وأقنعة تخفوا وراءها لمداراة قسماتهم الحقيقية التى تستمد شرعيتها من وحشية الاستبداد الذى مورس فى العراق وسوريا.

وحين نرفع صوتنا بالتعبير عن الغضب والرفض للمقتلة التى حدثت فى باريس فإننا ينبغى ألا نربط بين تلك المشاعر وبين الدوى الذى أحدثته الجريمة وتردد صداه فى وسائل الإعلام العالمية، وإنما يتعين أن نعمم الغضب ليكون تعبيرا عن استهجان كل عدوان يهدر كرامة الإنسان أو يريق دم برئ وهو ما يدعونا لأن نحتفظ بوتيرة الاستنكار والازدراء فى إدانة الجرائم المماثلة التى يرتكبها النظام السورى الذى يقتل شعبه ببراميل المتفجرات وتلك التى ترتكبها السلطة الإسرائيلية والمستوطنون بحق الفلسطينيين وغير ذلك من الجرائم التى ترتكبها الأنظمة وجماعات العنف بحق الأبرياء حيثما وجدوا، بغض النظر عن هوياتهم أومللهم لأن حق كل إنسان فى الحياة والكرامة فوق كل ذلك.

     المصدر: جريدة الشروق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *