مجموعة سعودي القانونية

فهمي هويدي يكتب | مظاليم وراء القضبان

فهمى-هويدى

هذه واحدة من قصص زمن الأزمة الذى تعيشه مصر: تم اعتقالى عشوائيا من حرم الجامعة، بعدما أنهيت محاضراتى فى الكلية، وخرجت متوجها إلى بيتى، وإذا بى أفاجأ بأمين شرطة بزى مدنى يلقى القبض علىَّ، لأن تليفونى كانت عليه صور إحدى قنابل الغاز التى ألقيت على مدخل الكلية، والتى كنت قد تلقيتها على البلوتوث من أحد زملائى، واحتفظت بها على أنها شعار للمرحلة، مكثت فى المعتقل قرابة شهرين منها 13 يوما فى معسكر السلام للأمن المركزى و18 يوما فى قسم ثان مدينة نصر وباقى الأيام فى أبى زعبل، ثم تم إخلاء سبيلى بكفالة، وأنا متهم بـ 16 تهمة كل واحدة منها تحتاج إلى بلطجى عتل ليقوم بها، منها حرق مدرعتى شرطة واعتداء على ضابط وسرقة سلاح ميرى ووو… ذهب زملائى جميعا للشهادة فى النيابة، ومنهم رئيس القسم وعميد الكلية، وقدما مذكرة رسمية تحمل إمضاء العميد ورئيس القسم بأننى كنت متواجدا بالكلية، ولم أشارك فى أى أحداث، لكن دون جدوى، أنا الآن استطعت أن أسافر إلى ألمانيا لإتمام دراستى العليا، بعد حفظ القضية، حيث إننى كنت قد حصلت على بعثة دراسية من الهيئة الألمانية للتبادل العلمى بوصفى من أفضل ثلاثة عشر باحثا شابا على مستوى الجمهورية وفقا للمعايير التى وضعتها الهيئة الألمانية ووزارة التعليم العالى. هذه قصتى، وأنا لا أتحدث عن نفسى، فقد كان فى زنزانتى فى أبى زعبل ما يزيد على 67 شخصا اعتقلوا عشوائيا منهم حوالى 15 طالب طب و25 طالب هندسة وحوالى 7 صيدلة و5 لغات وترجمة، والباقى متوزعون على كليات الجامعة، واللافت أن معظمهم من أوائل دفعهم، فضلا عن طبيبين بشريين، ومنهم من حكم عليه بـ 5 سنوات، ومنهم من حكم عليه بـ3 سنوات، أرجوك أن تفعل شيئا من أجل هؤلاء الطلاب الذين ليس من بينهم أكثر من 5 طلاب ينتمون للإخوان، والباقون ليس لهم أى توجه سياسى، لكنهم حلموا بالتخرج ونفع بلادهم. لو ضاع مستقبل هؤلاء الطلاب فسيكونون قنابل موقوتة ضد الوطن، بعد خروجهم، ولن يستطيع أحد أن يلومهم، (بعدما) ضُربوا وأهينوا وأهدرت كرامتهم وإنسانيتهم.

لا فضل لى فى العنوان ولا فى الكلام أعلاه، فكل ذلك كان نقلا عن نص نشرته جريدة «المصرى اليوم» يوم الأربعاء الماضى 3/9 للدكتور عمرو الشوبكى الذى لم نعرف أنه من الخلايا النائمة أو الطابور الخامس، أو أنه على صلة بالتنظيم الدولى للإخوان، ولكن الرجل من أهل موالاة النظام وقد لا يعيبه إلا شىء واحد هو أنه من العقلاء الذين نأوا بأنفسهم عن مواكب المهللين واحتفظ لنفسه بمسافة باعدت بينه وبين كتيبة الإبادة السياسية التى تروج للفاشية وتسوق فكرة الإبقاء على المخالفين فى السجون إلى الأبد. بعد تعليق بعضهم على المشانق، باعتبار أنهم جميعا «خونة» لا يستحقون الحياة تحت مظلة ثورة 30 يونيو.

أعرف أنه ليس من تقاليد المهنة أن ينشر كاتب عمودا يوم الأربعاء، فيسطو عليه آخر بعد عدة أيام ويضع اسمه عليه. وهو خطأ اعترف به لكننى وجدته يخدم قضية الدفاع عن المظلومين، التى قد تبرر السطو وتخفف من الوزر. وأذكر أننى فعلت ذلك مرة واحدة قبل عدة سنوات. حين قرأت فى صحيفة «القدس» اللندنية تقريرا عن معاناة أحد المواطنين العرب فى السجون السورية، حيث كتب على الرجل أن يطوف بسجون مختلف المحافظات ويعيش أهوالها. ما رواه كا مروعا وصاعقا. وحين وجدت أنه فى ختام كلامه قال إن زملاءه فى السجن ناشدوه أن ينقل إلى العالم الخارجى صورة الجحيم الذى يعيشون فى ظله والذى يميتهم كل يوم عدة مرات، أدركت أن واجب التعريف يملى علىّ أن أنقل الرسالة إلى نطاق أوسع من خلال مجلة «المجلة». وهو ما حدث وحقق مراده. ورغم أننى لم أشر إلى أن ذلك حدث فى سوريا ـ لأن المجلة ما كان بمقدورها أن تتحمل هذه المغامرة ـ لكن ضمَّنت مقالتى إشارات لا تدع مجالا للشك فى أننى أعنى جهنم السورية ما غيرها.

ما استشعرته آنذاك تكرر معى هذه المرة. إذ إننى ما أن وقعت على ما كتبه الدكتور الشوبكى حتى قلت إن هذه قضية آلاف آخرين من المظلومين. تستحق أوسع دائرة ممكنة من التضامن. ذلك أن صاحب الرسالة تحدث عن عنبر أو زنزانة حشر فيها 67 معتقلا من طلاب الجامعة الذين ألقى القبض عليهم بصورة عشوائية، فى حين أن خمسة منهم فقط من الإخوان، وتحدث عن التعذيب والإهانات التى تعرضوا لها، وحذر من تحولهم إلى قنابل موقوتة إذا استمر التعسف معهم وتضييع مستقبلهم. وانصب حديث صاحب الرسالة على النموذج الذى عايشه فى سجن أبى زعبل، الأمر الذى يفترض أن يتكرر فى السجون الأخرى المنتشرة فى أنحاء مصر.

وإذ نسجل أن الدفاع عن المظلومين فى زمن التشنج والاستقطاب المرعب بات مغامرة تتطلب شجاعة يحمد عليها الدكتور عمرو الشوبكى، فإننى أضم صوتى إلى صوته متمنيا أن يرفع الظلم عن الأبرياء، من خلال فرز نزيه يتحرى تحقيق العدل ويستعلى فوق المرارات وتصفية الحسابات.

طبقا لبيانات موقع ويكى ثورة المستقل فإن عدد المعتقلين فى مصر فى الفترة ما بين 3 يوليو حتى 31 ديسمبر 2013، بلغ 21 ألفا و317 معتقلا. وليست واضحة أعداد الذين تم الإفراج عنهم خلال الأشهر الثمانية التى مضت من عام 2014 ولا أعداد الذين تم اعتقالهم فى تلك الفترة. ولكن المتداول أن عدد المعتقلين فى مصر الآن حوالى 16 ألف شخص. وهؤلاء تم توزيعهم على مئات القضايا للادعاء بأنهم متهمون وليسوا معتقلين سياسيين. وبمناسبة ما ذكره الدكتور الشوبكى أضيف أن مرصد الحريات الأكاديمية ـ حركة جامعة مستقلة وثق بيانات الضحايا فى المحيط الأكاديمى منذ الثالث من يوليو عام 2013، وتبين أن أعدادهم بين أساتذة الجامعات والمراكز البحثية كالتالى: 10 شهداء ـ 165 معتقلا ـ 126 تعرضوا لعقوبات إدارية تعسفية ـ 24 فصلوا نهائيا من الجامعات ـ 29 أخلى سبيلهم.

فى ذات الوقت أجرى مرصد «طلاب حرية» توثيقا للضحايا بين الطلاب كانت نتيجته كالتالى: الشهداء 208 ـ الذين قتلوا فى داخل الحرم الجامعى 19 ـ قتلى الفتيات 6 ـ المعتقلات 22 ـ المعتقلون 1812 ـ معتقلو الحرم الجامعى 658 ـ الذين فصلوا من الجامعات 502 ـ الذين أفرج عنهم 625.

إن المظاليم ينتظرون إنصافا طال انتظاره، علما بأن الظلم ظلمات وأن الذين يزرعون الظلم يحصدون المر.

 

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *