للكاتب: شياو شياو
ترجمتها عن الصينية: يارا المصري
فتح “آه وو” عينيه الزائغتين، وشَعُرَ بالغرابةِ الشديدة، وكأنه لم يأتِ إلى هذا المكان من قبل. كان ظمآناً، فقد شرب الكثير منذلك الخمر. ومن حسن حظه أنه وجد أمامه دكاناً، فأخرج نقوداً، وقال، أريد زجاجة ماء.
نظر صاحب الدكان إلى النقود في يد “آه وو” وكأنه ينظر إلى شيءٍ نادر، ولم يبدُ عليه أي تعبير يوحي بأنه سيأخذ النقود. غضب “آه وو”، وقال، ما بك؟ هذه نقود، وليست مزيفة. إذا أردت أن تعرف ما إذا كانت مزيفة أم لا، فسأعطيك ألفاً. في النهاية تحدث صاحب الدكان، بوجه تبدو عليه الحيرة: ما هي النقود؟ أراد “آه وو” أن يبصق، وأن يسدد لكمة إلى وجه هذا الشخص.
هل أنت قادم من كوكب آخر؟ انفجر “آه وو” غاضباً. أَليس من حقه أن ينفجر غاضباً؟ يمكنك ألا تعرف رئيس دولتك، ولكن أَلا تعرف ما هي النقود أَليس ذلك مزحةً كبيرة؟ في تلك اللحظة، تحدث رجلٌ يقف جانباً. أيها الشاب، لقد قدمت لتوك إلى بلدنا أَليس كذلك؟ نحن هنا لا نستعمل النقود، بل نستخدم الوقت. أصابت هذه الإجابة “آه وو” بالدهشة، فمد رأسه ونظر بتركيز، فأدرك أنه لم يرَ الأشياءَ التي يبيعها الدكان من قبل، كما أنه شَعُرَ بأن ذلك الشخص مختلفٌ عنه كذلك.
فهم “آه وو” الأمر بصعوبة، فقد كان بالفعل في بلدٍ آخر، وهذا البلد لم يستعمل النقود من قبل على الإطلاق، بل يستخدم الوقتَ فقط في تعاملاته. فما أن يُولد الشخص، أو تطأ قدميه حدود البلد، حتى يمتلك مائة عام، ومع كل استهلاك يُخصم منه الوقت، وكل عمل يعمله يزيد وقته. مد “آه وو” راحة يده أمام راحة يد صاحب الدكان، فخُصِمت منه ساعة، وأخذ مقابلها زجاجةَ ماء. ثم نظر إلى راحة يده مرةً أخرى، فظهر الوقت بوضوح، تسعةٌ وتسعون عاماً وأحد عشر شهراً وتسعةٌ وعشرون يوماً وثلاثٌ وعشرون ساعة.
هيه، هذا ممتع! أحس “آه وو” بالفضول الشديد، فإذا كانت الأسعار على غرار سعر زجاجة الماء، يمكنه إذن أن يبذر كما يحلو له. مد يده، وأوقف سيارة أجرة، وطلب “آه وو” من السائق أن يذهب به إلى أفخم فندق في أكثر المناطق ازدهاراً! فقد أراد “آه وو” أن يتمتع برفاهية هذا البلد، وعندما يعود إلى بلده، يمكنه أن يتباهى بثرائه. كما أنه ليس بحاجة لصرف نقوده، ومضى “آه وو” يدندن لحناً.
رائع رائع! كانت سيارة الأجرة منطلقة كالسهم، بسرعةٍ تتعدى القطارَ فائقَ السرعة. كانت تمر بالواجهات البعيدة في لمح الصبر، وبالطبع المشاةُ والسياراتُ كلٌّ يسيرُ بنظامٍ، ولا داعي للقلق. حسناً، لقد وصلنا المدينة، كانت المباني شاهقة، وحتى لو شددت عنقك فلن تستطيع رؤية أسطحها. لم تكن الشوارع واسعة وبالرغم من أنها مزدحمة إلا أنها كانت مُنظَّمة، والأشجار مزدهرة نضرة، وبالكاد يمكنك سماع أصوات سائقي السيارات وأبواقها. ومن النظرة الأولى، يمكنك أن تقول إنها قرية، وإنها مدينة كذلك. كانت السماء الزرقاء والسحب البيضاء المتراكمة ذات منظر بديع خلاب، بدت المدينة وكأنها نمت وسط الطبيعة، بدون أي ملمحٍ لعملٍ بشري، ناهيك عن انعدام ضجيج المدن وفوضاها.
عظيم! لحس “آه وو” شفتيه وكأنه تناول طعاماً شهياً، وهو لا يتوقف عن إبداءِ إعجابه. وصل إلى الفندق الفخم، وجال ببصره في كل الأرجاء، وهو فرح طرب، وفيما عدا إبداء إعجابه لم يكن هناك أي أمر آخر. لم تكن التكلفة قليلة كذلك، فنظر “آه وو”خصوصاً إلى راحة يده، فرأى أن الليلة الواحدة بشهر. لا يهم، لأستمتع أولاً ثم أفكر في هذا الأمر لاحقاً.
بعد تناوله الطعام والشراب، خطرت له فكرة. اتصل كعادته كلما نزل في فندق برقم الخدمة، وطلب مساج للغرفة رقم 9981. وقبل أن يغلق الخط، أضاف قائلاً، أريد أجمل فتاة. وبالنسبة لهذا الأمر، فهو ماهر وذو خبرة. فأي فندق يوفر هذه الخدمة، وإذا لم يوفرها، فمن الأفضل أن يغلق أبوابه.
رن جرس الباب، كان “آه وو” قد خلع ثيابه إلا السروال الداخلي، قفز من السرير، وفتح الباب. مرحباً! من فضلك ارتدِ سروالك الداخلي، لقد بدأ عملي الآن. سروالي الداخلي؟ قال “آه وو” ضاحكاً، إن ما أرتديه بالفعل هو سروالي الداخلي، فإذا خلعته سأكون عاريا. أعطته الآنسة الجميلة شورت داخلي، وقالت له بلهجة ناعمة وصارمة، ارتدِ هذا من فضلك، شكراً! غمغم “آه وو”وقال: إذا أردتِ أن تكوني عاهرة، فلا تلعبي دور العذراء. سنرى بعد قليل.
ارتدى الشورت الداخلي، وبدأ المساج، الذي كان تأثيره مريحاً للغاية. مريحاً لدرجة أنه نسي رغبته الأولى، وحينما كانت الآنسة على وشك الرحيل، منعها “آه وو” بسرعة. آه، لم يبدأ العرض الأصلي بعد. كم تريدين، كما يحلو لك. لاحت ابتسامة على وجه الآنسة، لقد انتهت خدمة المساج، تفضل وادفع حسابك. أي مظهر شريف تدعينه، نحن لم نفعل شيئاً بعد. كان “آه وو” يريد مضاجعتها، فكائن جميل مثلها، كيف يمكنه إفلاته؟
من فضلك وفر وقتك، سأطلب الشرطة! عندما سمع “آه وو” ذلك، انفجر ضاحكاً. أَتتحدثين عن الوقت؟ لدي الكثير منه. رن جرس الغرفة، وظهر شرطي ضخم متين البنية أمام الباب، لم يتحدث كثيراً، جعله يدفع حساب الآنسة أولاً، ثم يدفع غرامة للشرطة. إن هذا غالٍ حقاً! لم أرتكب أي جريمة، وخُصم مني عشر سنوات.
من حسن حظي، أنني لم أُسجن، من الواضح أن العقوبة في هذا البلد هي دفع غرامة. بدأ “آه وو” يشعر بالرضا عن نفسه مرة أخرى، أَتتحدثون عن الوقت؟ لدينا الوقت. وفي اليوم التالي، خرج “آه وو” للتنزه، وجرَّب كل ما رآه ممتعاً من النشاطات وشهياً من الأطعمة، وكلما رأى الرقم ينقص من راحة يده، كانت السعادة والفرحة تغمر فؤاده بشدة. وشيئاً فشيئاً ازداد جنونه، وتوقف عن مراقبة الرقم في راحة يده، فلم يعد له قيمة.
لا يجوز! يجب أن أشتري شيئاً قبل عودتي. وقع نظره على قلادة ماسية معلقة، أنيقة للغاية، أنيقة وجميلة إلى الدرجة التي تجعل أي امرأة تراها تحني رأسها. كان “آه وو” معجباً بفتاة يرى أنها فتاة أحلامه وتدعى يي لو، ولكنها كانت تتذمر لأنه ليس غنياً، وقلَّما تنظر إليه أو تعيره اهتماماً. وما أن نظر إلى السعر، حتى أحنى رأسه في حزن، كان سعرها ثلاثين عاماً. ولم يتبقَ معه إلا أكثر من ثماني سنواتٍ بقليل.
نظر “آه وو” حوله، وخطرت له فكرة. كانت فاترينة العرض مفتوحة، والكل مشغول، ولا أحد يراقبه. مد “آه وو” يده، وأخذ القلادة، ووضعها بخفة وخفية في جيبه، وكأن شيئاً لم يكن، اتجه إلى الباب وخرج. حينها رنت صفارة الإنذار، وظهر شرطيان يشبهان عامودين من الحديد أمامه، وأخذوه إلى غرفة الاستجواب.
“آه وو” ذو الخبرة والذي يجيد التعامل مع الناس، كان هادئاً، يحني ظهره ويعتذر بأدب؛ ويقترب منهما هامساً، أيها الأخوة، حافظوا على ماء وجهي، سأمنح كل منكما سنتين، هذا عربون تقدير وشكر. لكن وجهي الشرطيين كان خاليين من أي تعبير، فملأ الاستمارة، ودفع الغرامة، وخُصم منه ثماني سنوات. غضب “آه وو” جداً، كيف سألهو فيما بعد؟
وعندما طلب مشورة أحدهم خلسة، اضطرب “آه وو”. فإذا عاد الوقت إلى الصفر، ستكون هذه هي نهاية الحياة، ولا يمكنك أن تفعل شيئاً إزاءها. لا أريد أن أموت هنا. كفى! سأغادر هذا البلد، لقد استمتعت بما فيه الكفاية، وأشبعت رغباتي، واكتفيت.
حينما وصل إلى الحدود، ضغط فوراً على راحة يده. إن فرق التوقيت تسعةٌ وتسعون عاماً وأحد عشر شهراً وخمسة وعشرون يوماً، تفضل بالعودة. ارتبك “آه وو”، لماذا يجب عليَّ الدفع أثناء خروجي، ولماذا يجب أن يكون الوقت كما جاء ـ مائةَ عام!
بدأ “آه وو” العمل بشكل متواصل ليل نهار، عمل في كل شيء، طالما يحصل على النقود. لا، طالما يحصل على الوقت. أُنهك “آه وو”، أُنهك وأحس بالندم، ولكن بعد فوات الأوان. وحينما جمع بجهدٍ وصعوبةٍ مائةَ عام، وفي اللحظة التي تخطى فيه حدود البلد، استدار بغضبٍ وبصق قائلاً:
أف! ليذهب الوقتُ إلى الجحيم!
شياو شياو: اسمه الحقيقي دينغ يينغ شين، عضو رابطة كتاب مقاطعة آنهوي. متقاعد من الخدمة العسكرية. عمل كعامل مختبر، مندوب مبيعات، صحفي، ومحرر وغيرها من المهن. نشر العديد من المقالات والقصص القصيرة جداً والنصوص النثرية تقريباً في جميع المجلات والدوريات الصينية مثل (مجلة القارئ) و (مختارات من القصة القصيرة جداً). رشحت قصصه لجوائز عديدة مثل الجائزة السنوية لأفضل القصص القصيرة جدا على مستوى الصين. وقصة (ليذهب الوقت إلى الجحيم) نشرت في (مجلة القصة الشهرية) ونشرت في كتاب (أفضل القصص الصينية القصيرة جداً).
نشرت القصة في مجلة “إبداع” عدد إبريل 2015